سلامٌ من الله عليكم أيها الأحباء، أهلاً بكم في أولى حلقات هذا البرنامج نعرفكم في مطلعها بموضوعه وهدفه. أما موضوعه فهو أخلاق الله عزوجل التي عرفتنا بها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، أما هدف البرنامج فهو الإعانة المعرفية على العمل بالحديث النبوي المشهورالقائل: (تخلقوا بأخلاق الله) فلا مناص للعمل به من أن نتعرف أولاً على الأخلاق الإلهية، ثم نتعرف على مصاديق عملية لتجسيد هذه الأخلاق الفاضلة في حياتنا العملية. ولا توجد مصاديق تتحلى بالعصمة والكمال في تجسيد أخلاق الله عزوجل أسمى مما جسده النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرون صلوات الله عليهم أجمعين. ولذلك أمر الله عزوجل باتّخاذ نبيه الأكرم بالأصالة وأهل بيته المعصومين بالتبعية إسوة حسنة على نحو الإطلاق وهذا ما لم يأمر به على نحو الإطلاق تجاه غيرهم عليهم السلام؟ من هنا إنطلقنا للإبتعاد في هذا البرنامج عن المنهج النظري والإتجاه الى المنهج العملي والسعي لمعرفة أخلاق الله من خلال نماذج ومصاديق تجسيدها عملياً في سيرة أهل بيت النبوة عليهم السلام.
موضوع هذه الحلقة مستمعينا الأكارم هو خلق (العفو)، وهو من أصول أخلاق الله عزوجل وقد ورد ذكره في النصوص الشريفة بكثرة ومنها النموذج الذي رواه السيد الجليل علي بن طاووس في كتاب إقبال الأعمال، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا دخل شهر رمضان إذا اذنب العبد والأمة يكتب عنده: أذنب فلان، أذنبت فلانة يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه فيجتمع عليهم الأدب، حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم وجمعهم حوله ثم أظهر الكتاب ثم قال: يا فلان فعلت كذا وكذا، ولم أؤدبك أتذكر ذلك؟ فيقول: بلى يا ابن رسول الله، حتى يأتي على آخرهم، ويقررهم جميعا، ثم يقوم وسطهم ويقول لهم: ارفعوا أصواتكم، وقولوا: يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك كلّ ما عملت كما أحصيت علينا كل ما عملنا، ولديه كتاب ينطق عليك بالحق، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيت إلا أحصاها، وتجد كلما عملت لديه حاضرا كما وجدنا كلما عملنا لديك حاضرا، فاعف واصفح كما ترجو من المليك العفو، وكما تحب أن يعفو المليك عنك فاعف عنا تجده عفوا، وبك رحيما، ولك غفورا ولا يظلم ربك أحدا، كما لديك كتاب ينطق بالحق علينا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيناها إلا أحصاها" .
ونتابع أيها الأعزاء هذا المشهد التعليمي الذي ينقله الإمام الصادق عما كان يقوم به جده السجاد كل عام فيقول: "قد عفوت عنكم فهل عفوتم عني ومما كان مني إليكم من سوء ملكة؟ فيقولون: قد عفونا عنك يا سيدنا، وما أسأت، فيقول لهم قولوا: اللهم اعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا، فأعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرق، فيقولون ذلك، فيقول: اللهم آمين رب العالمين اذهبوا فقد عفوت عنكم وأعتقت رقابكم رجاء للعفو عني وعتق رقبتي فيعتقهم" .
ونبقى أعزاءنا مع مولانا الإمام الصادق عليه السلام وهو يروي هذه الحادثة المؤثرة فيقول: "فإذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عما أيدي الناس، وما من سنة إلا وكان يعتق فيها في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين إلى أقل أو أكثر، وكان يقول: إن لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار سبعين ألف ألف عتيق من النار كلاّ قد استوجب النار فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه، وإني لأحب أن يراني الله وقد أعتقت رقابا في ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار. وما استخدم خادما فوق حول، كان إذا ملك عبدا في أول السنة أو في وسط السنة إذا كان ليلة الفطر أعتقه، واستبدل سواهم في الحول الثاني ثم أعتق، كذلك كان يفعل حتى لحق بالله تعالى" .
ولا يخفى عليكم مستمعينا الأفاضل، إن هذه الرواية تشتمل على بيان مصاديق عدة لإخلاق الله عزوجل وتجسيدها الكامل في سيرة مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام، ولكن الخلق المحوري الذي عمل به وعلمنا أن نعمل به هو خلق العفو الذي ستكون لنا وقفة أخرى عنده في الحلقة المقبلة بأذن الله لعظمة أثار التخلق به في تمتين الأواصر الإجتماعية فضلاً عن بركاته الأخروية. نشكر لكم أيها الأعزاء جميل المتابعة لهذه الحلقة من برنامج (من أخلاق الله)، الذي يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران. دمتم بكل خير وفي أمان الله.