البث المباشر

الكوفة.. أهم معالمها

الثلاثاء 29 يونيو 2021 - 16:31 بتوقيت طهران
الكوفة.. أهم معالمها

أهم معالم مدينة الكوفة

جامع الكوفة

مكانته، وأهميته العلمية والسياسية:
يقع المسجد الجامع وسط المدينة وقد شيّد على أرض مربعة الشكل، بانحراف قليل عن القبلة بمقدار ۱۷ درجة تقريباً، وقد خطط ليتسع لأربعين ألف مصلٍ، وقد مرّ بتطويرات وإصلاحات متعددة حتّى استقر على وضعه القائم وبالشكل التالي.
طول الضلع المواجه للقبلة ۱۱۰م، والجدار المقابل له ۱۰۹م، أمّا الضلعان الآخران فيبلغ طول كل منهما ۱۱٦م.
ودلّت الدراسات الأثرية: إنّ هذه الجدران كانت نازلة في الأرض إلى عمق خمسة أمتار ونصف، وأنّ الجدران كانت مدعومة من الخارج بأبراج نصف دائرية الجدران إلى حدود عشرين متراً...
يضم الجانب القبلي مقام الإمام عليّ عليه السلام، وأمّا الجوانب الثلاثة الأخرى فتضم غرفاً صغيرة بنيت في عهد متأخر للمعتكفين.
وللمسجد أربعة أبواب، لكلّ ضلع باب أكبرها (باب الفيل) ويسمّى (باب الثعبان) وهو المقابل للضلع القبلي لمقام الإمام عليّ عليه السلام ومنبره...
والمسجد في الإسلام كان مكاناً للعبادة والدرس العلمي والقضاء والاجتماعات العامة التي تتصل بالمصالح العليا للأمة، ومسجد الكوفة كان منذ السنوات الأولى من تأسيسه محلاً لهذه الوظائف التي قام بها عدد من الصحابة.
وقد ذكروا من هؤلاء عمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود، وقرظة بن كعب الأنصاري، وعثمان بن حنيف، وحذيفة بن اليمان، وسليمان بن كعب، وسلمان بن ربيعة، والبرّاء بن عازب، وسهل بن حنيف، وخبّاب بن الأرت، وغير هؤلاء ممّن كانوا أمراء أو قادة منهم، وكان مجلس هؤلاء - في كلّ ذلك - المسجد كما هو الأمر في الصدر الأول.
وحين حلّ الإمام علي عليه السلام فيها سنة ۳٦هـ، واتخذها عاصمة لخلافته، حلّ فيها معه عدد كبير من الصحابة الذين رافقوه، وأصبح المسجد الجامعة العلمية الإسلامية الأولى دون منازع.
فشهد المسجد دروس الإمام عليّ عليه السلام - وهو باب مدينة علم النبي صلّى الله عليه وآله - وخطبه، وحديثه، وأقضيته مدى سني خلافته.
وشهد أيضاً دروس الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، وعلماء الصحابة والتابعين بعده في العقيدة الإسلامية، وفي التفسير، والقراءات، والحديث.
ثمّ بعد ذلك في العربية (النحو) الذي ألقاه الإمام عليّ عليه السلام لأوّل مرة إلى أبي الأسود الدؤلي فبنى عليه، ونحا نحوه.
وإلى الكوفة ينسب الخط المعروف، وللإمام عليّ عليه السلام كلمات في طريقة تجويده وتحسينه، وعلى يد أبي الأسود كان تشكيله ووضع الحركات عليه لأوّل مرّة أيضاً.
وتميّز مسجد الكوفة بأنهّ كان أوّل، وأوسع مدرسة لقراءة القرآن الكريم، ففيه جلس أشهر وأوثق القرّاء، ومن هؤلاء:
عبد الرحمن السلمي، الذي أخذ القراءة عن الإمام عليّ والحسنين عليهم السلام، وعن عبد الله بن مسعود، ومنهم عاصم بن أبي النجود الاسدي، وحمزة بن حبيب المعروف بالزيات، وعلي بن حمزة الكسائي، وهؤلاء جميعاً من القرّاء السبعة، لهذا صارت مدرسة الكوفة أشهر مدرسة للقرّاء في العالم الإسلامي، ولمدرستها النحوية منهج وسمات متميزة عن نهج مدرسة البصرة.
وفي الفقه والعلوم الإسلامية نشأت مدرسة الرأي، ورأسها أبو حنيفة، وحين جاء الإمام الصادق عليه السلام زمن المنصور إلى الحيرة، ازدحم عليه المئات من طلاب العلم، حتّى أنّ محمد بن معروف الهلالي لم يصل إليه لكثرة الناس، إلاّ في اليوم الرابع (۱).
وكان منهم أبو حنيفة الذي لازمه مدى سنتين اللتين سكنهما هناك، وكان يذكرهما فيقول: «لولا السنتان لهلك النعمان» (۲).
ويقول أبو حنيفة أيضاً: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور بعث إليّ، فقال: إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من مسائلك الشداد، فهيأت له أربعين مسألة، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر المنصور وهو بالحيرة، فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس على يمينه... فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر... وذكر أنّه سأله بأمر المنصور أربعين مسألة كان يقول في الجواب على كلّ منها: انتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعنا وربما تابعهم وربما خالفنا.
ثّم قال أبو حنيفة: أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
ولازمه بعد ذلك رغم محاورات الإمام الحادة معه في شأن القياس (۳).
وقال أبو نعيم الأصفهاني: وللإمام عليه السلام حوارات مع أبي حنيفة حول القياس (٤). وظل أثر مدرسة الإمام الصادق عليه السلام ممتداً في طلابه الذين كانوا يؤدون دورهم التعليمي في مسجد الكوفة.
قال الوشاء: «أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كلٌّ يقول حدثني جعفر بن محمّد عليه السلام» (٥).
ورغم إنّ كثيراً من طلاب العلم هاجر في أواخر القرن الثالث، وفي النصف الأوّل من الرابع إلى النجف وبغداد، فقد ظلت الكوفة مركزاً علمياً يلازم مسجده العلماء والعباد.
فقد ذكر الشيخ الصدوق (رحمه الله) أنّه لدى وروده سنة ۳٥٤هـ أجيز في مسجد الكوفة من قبل عدد من العلماء، وأجيز كذلك من عدد آخر في مشهد الإمام عليّ عليه السلام.
وظل الأمر كذلك حتىّ هاجر الشيخ الطوسي إلى النجف الأشرف سنة ٤٤۸هـ وأصبحت النجف الأشرف بذلك مركزاً علمياً، ومرجعية دينية، فقصدها طلاب العلم من الكوفة وبغداد، وعاد مسجد الكوفة خالياً كما ورد في الحديث عن الكوفة في نهاية القرن الخامس والسادس..
وأخيراً فإنّ لهذا المسجد فضل كبير إذ هو أحد المساجد الأربعة ولو يعلم الناس بفضله لأتوه حبواً على الثلج، فانه بيت آدم، وبيت نوح، وبيت إدريس، ومصلّى إبراهيم الخليل، ومصلّى الخضر، ومصلّى الإمام علي، وصلّى فيه ألف نبي وألف وصي، والصلاة فيه تعادل ألف صلاة.

*******
مرقد مسلم بن عقيل

يقع المرقد في الجهة الشرقية من مسجد الكوفة حيث يقول ابن جبير في رحلته عام ٥۸۰هـ: «وفي الجهة الشرقية من الجامع بيت صغير يصعد إليه فيه قبر مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام».
أوّل من شيّد قبر مسلم بن عقيل هو المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وكذا بالنسبة إلى قبر هاني بن عروة المذحجي الذي يقع قرب منه وبني عليهما قباباً صغيرة، وخلال عهد هولاكو في عام ٦۸۱هـ تبرع كلّ من الصحاب عطاء ملك بن محمد الجويني، واخوه شمس الدين بن محمد الجويني بضريح لمسلم بن عقيل.
وفي عهد آل بويه أضافوا بعض التعميرات على الضريح، وحثوا على السكن بجوارها فكثرت المساكن.
وفي عهد الدولة الجلائرية أجريت تعميرات وترميمات للمرقين مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وذلك في عام ۷٦۷هـ.
وفي عام ۱۳۷٤هـ تبرع جماعة من إيران بمرقد من العاج المزخرف الثمين وقد استغرق العمل به حوالي السنة والشهرين.
وفي عام ۱۳۸٥هـ جددت القبة، وتوسع الحرم الشريف على نفقة الوجيه الحاج محمد رشاد المرزة وتبرع بتذهيب القبة الخارجية على نفقته الخاصة.
وفي عام ۱۳۸۸هـ شيّدت ساعة ذهبية كبيرة.
من الآثار الموجودة قرب هذا المسجد العظيم:
دار الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
يقول ابن جبير الذي زار الكوفة عام ٥۸۰هـ «ومع آخر هذا الفضاء وخارج مسجد الكوفة دار علي بن أبي طالب، والبيت الذي غسل فيه»، وقد عُمر بناءه عام ۱۳۸٥هـ/۱۹٦٦م.
ومن الآثار الموجودة قرب هذا المسجد أيضاً قصر الأمارة، الذي بناه أبا الهيجاء الأسدي لسعد بن أبي وقاص عندما بنى الكوفة سنة ۱۷هـ وكان يعرف بـ (قصر سعد، وبقصر الأمارة، وبدار الأمارة)، واتخذه الخلفاء والملوك بعد سعد منزلاً لهم إلى زمن عبد الملك بن مروان عام ۷۱هـ حيث أمر بهدمه حين تشائم منه، والقصة معروفة.

*******



(۱) البحار ج٤۷ ص۹۳.
(۲) مختصر التحفة الإثنا عشرية - لمحمود الآلوسي - ص۸.
(۳) راجع عن مسائله للإمام عليه السلام - لمحمد أبو زهرة -: الإمام مالك ص۲۸.
(٤) حلية الأولياء ج۳ ص۱۹۷.
(٥) البحار ج٤۷ ص۹۳.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة