نشأتها وتطورها
وتبدأ الفترة المهمة في تاريخ الكوفة في شهر رجب عام (۳٦هـ)، حينما اختارها الإمام علي عليه السلام - بعد انتصاره في معركة الجمل - لتكون عاصمة للخلافة الإسلامية. وكان مع الإمام علي عليه السلام حين خرج إلى حرب الجمل - على ما يذكر ابن قتيبة - ۹۰۰ رجلاً من الأنصار والمهاجرين، ولا يعرف عدد من توطّن الكوفة منهم، لكنهم اسموا ممّن ثبت توطّنه منهم ۱٤۹ صحابياً، منهم سبعون ممّن شهد بدراً وبيعة الرضوان... وبذلك أصبحت الكوفة المركز السياسي والعالمي الأوّل في العالم الإسلامي، فهاجر إليها الناس وطلاب العلم، واتسعت بناءً وسكاناً، وعظمت مكانةً وشأناً في كلّ جانب. وكانت الكوفة أيضاً عاصمة لخلافة الإمام الحسن عليه السلام، وعاصمة أولى للعباسيين، ولدولة المختار.
وليس بين أيدينا إحصاء دقيق لعدد سكانها آنذاك، هذا وقد اختطت الكوفة سنة (۱۷هـ) لتتسـع - حسب رواية الشعبي - لعشرين ألفاً غير أنّ سكانها ازدادوا في الفترة من (۲۳هـ - ٤۱هـ) ليصلوا إلى أربعين ألفاً، يضاف إليهم ۱۹ ألفاً ممّن أدرك من الأولاد.. وفي إحصاء أجراه زياد بن أبيه بين (٤٥هـ - ٥۳هـ) بلغ عدد المقاتلة ممّن يفرض لهم العطاء ستين ألفاً، وعيالاتهم ثمانين ألفاً.
ولا يعرف العدد الذي لم يدخل في هذا الإحصاء، ولا ما بلغ إليه حين أصبحت عاصمة للدولة العباسية، لكن بشر بن عبد الوهاب القرشي المتوفّى سنة ۲۰٤هـ، قال: «أنّها كانت تضم خمسين ألف دار للعرب من ربيعة ومضر، وستة وثلاثين ألف دار لليمن، وأربعة وعشرين ألف دار لسائر العرب».
وظلت الكوفة تتسع وتزدهر حتّى أصبحت في القرن الرابع الهجري، كما يقول (ماسبنيون): «حاضرة لإحدى الكور العراقية الست، تتبعها بابل وعين التمر وسوراً والنيل …».
لكن هذا الازدهار لم يستمر، فإنّ هجمات الخوارج، وغزو بعض القبائل جعلت سكانها من الشيعة وطلاب العلم يهاجرون إلى مدينة النجف التي قامت منذ القرن الثالث حول ضريح الإمام عليّ عليه السلام نماءً وتطوراً، وتحضى بعناية بالغة من الخلفاء والسلاطين.
وفي القرن السادس بدأت الكوفة تضمحل أو تكاد... فقد ذكر ابن جبير في رحلته وقد زارها سنة ٥۸هـ إنّها: «عتيقة البناء قد استولى الخراب على أكثرها، فالغامر فيها أكثر من العامر».
وفي القرن السابع فاض الفرات فغرقت الكوفة وأحاط الماء بجامعها...
وبقيت الكوفة مهملة الشأن، وازداد هذا الإهمال في عهد العثمانيين...
فقد قال الرحالة البرتغالي (ديلافاله)، وقد مر بقرب الكوفة في مطلع القرن الحادي عشر الهجري - ۲٦ حزيران سنة ۱٦۲٥م: (أنّه لم يجد للكوفة وجوداً..).
وأكد الرحالة (كارستن نيبور) وقد زارها بعد الأوّل بقرن ونصف تقريباً سنة ۱۷٦٥م فقال: «أنّها كانت خالية من السكان تقريباً، بل أنّه وجد مسجدها، ولم يبق منه شيء يذكر سوى الجدران».
وبقيت الكوفة على هذا الحال حتى مطلع القرن الماضي، فدبت فيها الحياة من جديد، وبدأ السكن من ضفة النهر إلى المسجد، وامتدت أحياؤها بعد سنة (۱۳۷۸هـ/۱۹٥۸م) شيئاً فشيئاً من الجهة الغربية حتى اتصلت اليوم بـ (كركي سعد) وهو حدها المتصل بأحياء النجف الأشرف...
وهي من الناحية الإدارية قضاء تابع لمحافظة النجف، وتتبعه ناحيتان: العباسية والحرية. ونفوس مركز قضاء الكوفة بحسب إحصاء ذُكر في كتاب محافظة النجف لسنة ۱۹۸٦م يتجاوز ۹۳ ألف نسمة، وعدد نفوس العباسية يتجاوز ٤۸ ألف نسمة، وعدد نفوس الحرية يتجاوز ۲۲ ألف نسمة.