بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ للهِ ربّ العالمين، وأفضلُ الصّلاةِ وأزكاها علي خاتم الأنبياءِ والمرسلين، المصطفي الهادي الأمين، وعلي آله الأوصياءالمعصومين.
إخوتنا الأعزّة المؤمنين، السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وأهلاً بكم في لقاءٍ آخَرَ جديدٍ معكم، وقطوفٍ أخري من الرياض الفاطمية، نستفيدها أيضاً من الآفاق القرآنية، فقد حظيت فاطمةُ الزهراء عليها السلام بمقامٍ سامقٍ رفيع، حتّي اختارها اللهُ تعالي ورسولُه صلّي اللهُ عليهِ وآلِه للمباهلة في موقفٍ عظيم، ويومٍ عظيم، وأمرٍ عظيم! ذلك لأنّها صلواتُ الله عليها من أهل بيت النبوّة والوحي والرسالة... وهيَ ابنةُ أشرف الخلق، وبضعةُ سيدِ الأنبياء والرُسل، صلّي اللهُ عليه وآله، وهي زوجة سيد الوصيين، وأميرِالمؤمنين، عليٍّ عليه وعلي أبنائه سلامُ ربّ العالمين، وهيَ كذلك أمُّ سيدي شباب أهلِ الجنّةِ الحسنِ والحسين، وجدّة الأئمةِ السادةِ الميامين، صلواتُ اللهِ عليهُم أجمعين.. وهيَ– سلامُ الله عليها- سيدةُ نساءِ العالمين، من الأوّلينَ والآخرين، وهيَ الصدّيقةُ الكبري، وأهلٌ للفضائل العظمي، ومنها المباهلة، وما أدرانا ما المباهلة!
كتب ابنُ الجوزيّ في (زاد المسير) في ذكر المباهلة أنّ الذي أريد المباهلةُ بهم هُم القرابةُ القريبة، وأمّا معني المباهلة فقد عرّفها ابن قتيبة بأنّها التداعي بالّلعن، يُقال: بهَلَه الله، أي لعنه، وقد أمر رسولُ الله (صلّي الله عليه وآله) بالمباهلة بعد أن أقام الحجّةَ علي وفدِ نصاري نجران، فأبوا..فماذا كان يا تُري؟
*******
إخوتنا الأعزّةَ الأفاضل... في كتابه (مناقب.. آل أبي طالب) كتب ابنُ شهر آشوب المازندرانيُّ السَّرويّ: غدا رسولُ الله صلّي الله عليه وآله محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن، وفاطمةُ تمشي خَلفَه وعليٌّ خلفَها. ثمّ جثا برُكبتيه، وجعلَ عليّاً أمامَه بينَ يديه، وفاطمةَ بين كتفيه، والحسنَ عن يمينه والحسينَ عن يساره، وقال لهم: إذا دعوتُ فأمّنوا.
فقال الأسقف: جَثا -واللهِ- محمّدٌ كما يجثو الأنبياءُ للمباهلة! وخافوا ثمّ قالوا له: يا أبا القاسمِ أقلنا أقالَ اللهُ عثرتَك. فقال صلّي الله عليه وآله لهم: نعم، قد أقلتُكم فصالحُوه..
وكان قد سبقَ ذلك قولُ اللهِ تبارك وتعالي: "فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (سورة آل عمران٦۱)
فمن اولئك الذين سمّاهُم رسولُ الله، بأمرٍ من الله.. أبناءنا، ونساءَنا وأنفُسَنا؟
روي الفتّال النّيسابوريّ في (روضة الواعظين) عن ابن عبّاسٍ قوله: خرج رسولُ الله صلّي الله عليه وآله (أي للمباهلة)، فأخَذَ بيد عليّ، ومعه فاطمةُ والحسنُ والحسينُ فقال: هؤلاءِ أبناؤنا، ونساؤنا، وأنفسنا.
وكتب فراتُ الكوفي في تفسيره أنّ الإمام أبا جعفرٍ الباقر عليه السلام قال في ظلّ آية المباهلة: ((أبناءنا)) الحسنُ والحسين عليهما السلام، ((وأنفسنا)) رسول الله صلّي الله عليه وآله وعليُّ بنُ أبي طالب عليه السلام، ((ونساءنا)) فاطمةُ الزهراءُ عليها السلام.
وفي(تفضيل أميرالمؤمنين عليه السلام) كتب الشيخُ المفيد: فدَعا الحسنَ والحسينَ عليهما السلام للمباهلة، فكانا ابنيه في ظاهر ِاللّفظ ،ودعا فاطمةَ عليها السلام فكانت المعبَّرَعنها بنسائه، ودعا أميرالمؤمنين عليه السلام، فكان المحكومَ له بأنّه نفسُه.
وكتب الشريفُ الرضيُّ في (حقائق التأويل في متشابه التنزيل): كان دعاءُ الأبناء (أي دعوتُهم للمباهلة) مصروفاً إلي الحسنِ والحسين عليها السلام، ودعاءُ النساءِ مصروفاً إلي فاطمةَ عليها السلام، ودعاءُ الأنفس مصروفاً إلي أميرالمؤمنين عليه السلام، إذ لا أحَدَ في الجماعة يجوز أن يكون ذلك متوجّهاً إلي غيره، لأنّ دعاءَ الإنسانِ نفسَه لا يصُحّ أن يأمُر َنفسَه.
أجل- أيها الإخوةُ الأكارم- لم يباهل رسولُ الله صلّي الله عليهِ وآله إلاّ بعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحسين عليهم السلام، لأنّهم أهلُ بيتِ النبوّة، وموضعُ الرسالة، ومَهبِطُ الوحي، ولأنّهُم الأفضلُ والأعزُّ والأحبّ، والأوجُهُ العابدةُ التي بها يحاججُ الله تعالي خَلقَه، حتّي روي سعدُ بن أبي وقّاص- كما في مسند فاطمة عليها السلام للحافظ السيوطيّ الشافعيّ- أنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله لمّا دعا علياً وفاطمةَ والحسنينَ للمباهلة قال: "اللهمّ هؤلاءِ أهلُ بيتي" . أوقال - كما روي الخوارزميّ في (مقتل الحسين عليه السلام)-: "اللهمّ هؤلاء أهلي" . لماذا يا تري؟! يجيبُنا علي ذلك النبيُّ المصطفي صلّي الله عليه وآله - كما روي الشيخُ القُندوزيُّ الحنفيّ في ((ينابيع المودّة))- أنّه صلّي الله عليه وآله، قال منبّهاً ومحتجّاً: "لو علمَ اللهُ تعالي أنّ في الأرضِ عباداً أكرمَ من عليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحسين، لأَمَرَني أن أباهِلَ بهم، ولكن أمَرَني بالمباهلةِ مع هؤلاء، وهُم أفضل الخَلق، فغَلبتُ بهمُ النصاري" .
*******