واليوم، يدور الحديث عن تيارين من القيادات السابقة في الحزب يستعدان لتأسيس أحزاب جديدة: تيار بقيادة باباجان -أحد الأعضاء المؤسسين لحزب العدالة والتنمية وشغل منصبي وزير الاقتصاد والخارجية ونائب رئيس الوزراء- ومعه عدد كبير من القيادات السابقة البارزة، أهمهم: وزير الداخلية الأسبق بشير أطالاي، ووزير العدل الأسبق سعد الله أرغين، والقيادي الأسبق حسين تشييلك، ويدعمهم من بعيد الرئيس السابق عبد الله غل.
وتيار آخر بقيادة أحمد داود أوغلو رئيس الحزب والوزراء السابق، وينسق معه عدد من القيادات السابقة لفروع الحزب في بعض المحافظات.
وبعد استقالته، أعلن باباجان أنه سيشكل حزبا سياسيا قبل نهاية العام الحالي لمنافسة حزب العدالة والتنمية الحاكم، كما أشارت بعض التقارير والتسريبات إلى أن داود أوغلو يعمل بصمت لتجميع الأنصار ووضع البرامج والخطط. لكن السؤال الأهم هو: ما مدى تأثير هذه الانشقاقات على شعبية العدالة والتنمية ومستقبله؟
وكان علي باباجان قال في تصريحات للصحافة التركية إن "عبد الله غل يدعم كل تحركاتنا ونلتقي معه دوريا، لكنه يفضّل البقاء خارج الأحزاب بعد تقديمه نموذج الرئيس الحيادي، وإن داود أوغلو صديق وشخصية أكاديمية مرموقة، لكننا نختلف معه في الطريقة والأسلوب"، ملخصا مشاكل تركيا الرئيسية بالحريات والعدالة والاقتصاد.
أما داود أوغلو فقال في إطلالاته الإعلامية الأخيرة على الإعلام المعارض إنه التقى أردوغان عدة مرات مقدما له تقييما لبعض القضايا ومسار الحزب وأوضاع البلاد، ونقدا لبعض قرارات الحزب ومساراته، دون أن يؤدي ذلك لاعتماد رؤيته.
بدوره، لم ينف القيادي في حزب العدالة والتنمية رسول طوسون التأثير السلبي لهذه الانشقاقات على تأييد الحزب في أوساط الشعب، لافتا في الوقت ذاته إلى أنها لن تؤثر على شعبية الرئيس أردوغان شخصيا، كما أن هذا التأثير لن يؤدي إلى انقسام شديد في صفوف حزب العدالة والتنمية، لأن علي باباجان انفصل عن الحزب منذ فترة وهو خارجه فعليا، وفق قوله.
وقال طوسون للجزيرة نت "هناك إحصاءات تفيد بأن قرابة 1% من الأصوات تؤيد أحمد داود أوغلو، بينما 7% تؤيد باباجان؛ لكن من غير المثبت أن هذه الأصوات هي من مؤيدي حزب العدالة والتنمية أم من باقي الأحزاب الأخرى".
وفيما يخص الانتقادات الموجهة لأردوغان بتحويل الحزب إلى قيادة عائلية، أكد النائب السابق في البرلمان التركي أن حزب العدالة والتنمية ليس ملكا لأي عائلة، وأن الرئيس أردوغان مدرك لتلك الانتقادات سواء من داخل الحزب أو من خارجه، وكشف للجزيرة نت أن هناك توجها لدى أردوغان لعزل صهره برات البيرق عن منصبه وزيرا للمالية بناءً على هذه الانتقادات.
وقال طوسون -الذي عمل مع باباجان في الحزب ووزارة الخارجية- "يبدو أن حزب باباجان أقوى من حزب داود أوغلو المحتمل، لأن داود أوغلو أساء لحزبه، أما باباجان فلم يفعل مثله، كما أنه شكل فريقا ذا ثقل سياسي؛ لكن بالرغم من كل ذلك فإن حزب العدالة والتنمية وأردوغان يبقى أثقل من الجميع".
وحول الجدل بأن حزب باباجان سيقتات على أصوات الإسلاميين، يفيد طوسون بأن الإسلاميين الأتراك يميلون أكثر إلى أحمد داود أوغلو ذي الهوية الإسلامية وصاحب المصنفات والكتابات الإسلامية، مؤكدا أن كلا من حزبي داود أوغلو وعلي باباجان لن يكونا منافسين مقلقين ما دام صاحب الكاريزما والمخضرم سياسيا أردوغان على رأس حزب العدالة والتنمية.
وفي ختام حديثه، شدد طوسون على ضرورة التغيير وإجراء تصويبات حقيقية واحتواء قيادات سابقة لتلعب دورا حقيقيا داخل حزب العدالة والتنمية.
من جهته، قال الباحث في مركز أورسام بأنقرة علي حسين باكير للجزيرة نت إن "حزب العدالة والتنمية تغيّر تماما، ولم يعد يمثّل الحزب الذي تم إنشاؤه في عام 2001، كما أن معظم الأقطاب المؤسسين لم يعودوا موجودين فيه، ومن ثم فنحن الآن أمام حزب جديد؛ حزب صنعه رئيس الجمهورية".
وأضاف باكير "سواء انضم داود أوغلو أم لم ينضم إلى جهود باباجان لتأسيس حزب، فإن الحزب المنتظر سيسحب -في حال إنشائه- جزءا من قاعدة حزب العدالة والتنمية، وإذا لم يتحسن الوضع الاقتصادي حتى حينه، فلن يستطيع الحزب الحاكم الحصول على أغلبية مطلقة بعد اليوم، كما أن احتمال حصوله على الأغلبية بالتحالف مع حزب الحركة القومية، سيصبح مشكوكا فيه في أفضل الأحوال".
وعلى صعيد الانتخابات الرئاسية، ذكر أن تكتّل الخصوم قد يتغلب على شعبية الرئيس، والمعارضة اختبرت هذه القاعدة في انتخابات إسطنبول البلدية وعرفت أنه الحل الوحيد لحصول تغيير، ولذلك هناك من يقول إن رغبتهم في الإطاحة بالرئيس أقوى من رغبتهم في التنافس فيما بينهم، وهذا قد يوفر منصة لتحالفات جديدة سيكون من الصعب لحزب العدالة والتنمية كسرها منفردا".