بسم الله وله الحمد والمجد اللطيف الخبير والصلاة والسلام على رسوله البشير النذير وآله أهل آية التطهير.
السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله. معكم أيها الأحباء ووقفةٍ تأمُّليةٍ نستلهم فيها دروس الحياة الطيبة من فقرة أخرى من دعاء المعرفة وهو من أهم أدعية عصر الغيبة المندوب للالتزام بتلاوته خاصة في عصر الجمعات. والفقرة التي وصلنا إليها هي التي يدعو فيها المؤمن لإمام العصر (أرواحنا فداه) حيث يناجي فيها ربَّهُ الجليل قائلاً: (اللهم ومُدَّ في عمره وزد في أجله وأعنه على ما ولـَّيتهُ وإسترعيتهُ وزد في كرامتك له، فإنه الهادي المهدي، والقائم المهتدي، الطاهر التقيُّ، الزكيُّ النقي، الرضيُّ المَرضيُّ، الصابر الشكورُ المجتهد، ...).
تأتي هذه الفقرة بعد فقرة طلب فيها الداعي من الله عزوجل أن يحفظ مولانا بقية الله المهدي (أرواحنا فداه) من الأخطار الكثيرة التي تهدِّدُ حياته وقيامه بمسؤوليات الإمامة الجسيمة وكذلك تهدِّدُ جُهودَهُ التمهيدية لظهوره (عجل الله فرجه).
وفي الفقرة نجد طلباتٍ مكمِّلة للمحور العامّ لطلبات الفقرة السابقة. الطلبان الأول والثاني هو إطالة عمره وزيادة أجله، ومعناهما واضحٌ ولكنَّ أمامنا سؤالين:
الأول: عن الفرق بينهما ومعناهما ظاهرياً واحد؟
والثاني: ما هي الحكمة في تعليم الدعاء لنا أن نطلب من الله عزوجل ذلك؟
للإجابة عن السؤال نحتاج لتوضيح مفهوم عقائدي ذكره العلماء في كتب التوحيد وهو أنّ الأجل على نوعين الأول هو الأجلالمحتوم والثاني الأجل غير المحتوم فالأول لايتغيَّرُ بعمل الإنسان، أما الثاني فهو الذي يتغيَّرُ بتأثير أعمال الإنسان، إذ أن النصوص الشريفة قرآناً وسنة تـُصَرِّحُ بأنّ بعض الأعمال تغيِّرُ أجل الإنسان فتطيل في عمره مثل صلة الرحم والصدقات وبعضها على العكس تـُقصِّرُ العمل مثل قطع الرحم، وإيذاء الناس خاصة المؤمنين ونظائر ذلك مما نَصَّتْ عليه الأحاديث الشريفة.
وعلى أساس هذا التوضيح العقائدي نقول: أن من المُحتمل أن يكون المقصود بطلب إطالة عمر الإمام المهدي (عليه السلام) هو زيادة توفيقاته (أرواحنا فداه) في الأعمال التي تؤدِّي الى إطالة العمر، فالطلب هنا مرتبط ب الأجل غير المحتوم.
أما الطلب الثاني فهو يرتبط ب الأجل المحتوم الذي لايرتبط بأعمال الإنسان، وقد أُبرم إبراماً حسب تعبير الأحاديث الشريفة، ومثل هذا التعبير عامٌّ يشملُ حتى الأجل.
نعم إن أجل الله إذا جاء لايُغيِّرُهُ شيءٌ بأيِّ حالٍ من الأحوال، لكنّ هذا الحكم مشروطٌ بقيد (إِذَا جَاءَ) أما قبل ذلك فيمكن للدعاء أن يُغيِّره.
مستمعينا الأفاضل، وننتقل للإجابة عن السؤال الثاني وهو: ما الحكمة في أن نطلب من الله عزوجل أن يطيل عمر إمام العصر ويزيد في أجله (عجل الله فرجه)؟
لايخفى عليكم ايها الأخوة والأخوات أن وجود الإمام المعصوم هو نعمة إلهية كبرى سواءٌ في غيبته أو في ظهوره (عجل الله فرجه)؛ بل هو المصداق الأكمل للنعيم الذي أسبغه الله على عباده والذي يسألهم عنه يوم القيامة. وهذه من الحقائق العقائدية الواضحة التي نَصَّتْ عليها كثيرٌ من الأحاديث الشريفة منها ما روي عن إمامنا الكاظم (سلام الله عليه) أنّ أحد أصحابه سأله عن قول الله عزوجل وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، فقال (عليه السلام) في الجواب: النعمة الظاهرة الإمام الظاهر، والباطنة الإمام الغائب. من هنا نفهم أن هذا الطلب هو في الحقيقة دعاء لجميع الخلائق لأنه يعني طلب إستمرار بركات الإمام (عليه السلام) وألطافه عليها جميعاً.
مستمعينا الأفاضل ويبقى أن نشير الى نقطة وهي أنَّ طلب إطالة عمر الإمام المهدي وزيادة أجله (عجل الله فرجه) هو دعاء عامٌّ لايقتصر على عصر الغيبة بل يشمل ما بعد ظهوره أيضاً لأنه (عليه السلام) نعمة في أصل وجوده في الحالتين هذا أولاً وثانياً لأنه مجتهد على الدوام في إيصال الخير الإلهي للعباد بل للخلائق أجمعين، بل لايوجد نظيرٌ للإمام المعصوم في كل عصر في سعيه الدَؤوب لهداية العباد وإيصال البركات الإلهية لخلق الله عزوجل. وبهذه الملاحظة نختم لقاء اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبَّل الله منكم حسن الإصغاء ودمتم في رعايته سالمين.