لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام)، حيث حدثناك عن أحد أدعيته الخاص بالقنوت، وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه: (أسألك باسمك الذي ألفت به بَيْنَ قُلُوب اوليائك، ... الخ)، هذه الفقرة من الدعاء تتطلب اضاءة كبيرة من حيث دلالتها الفردية والاجتماعية، وما تستتبعه من تحقيق التوازن الفردي والاجتماعي، اذن: لنتحدث عنها الآن.
ان التأليف بين القلوب يمثل في مؤسسات علم نفس السوي مكانة في الصدارة، ولكن لو قارنا بين ما قدمه هذا الضرب من العلم وما رسمه الاسلام من المباديء المنتظمة للعلاقات الاجتماعية لوجدنا ان الاسلام ينفرد بتفصيلات السلوك المرتبط بما يطلق عليه بتوثيق الصلة بين الاطراف بدءً من التأكيد على افشاء السلام والرد عليه بالافضل، مروراً بالمصافحة والمعانقة والزيارة والتبسم في وجه الاخر، وتليين الكلام وعدم السماح بالمقاطعة الى درجة الذهاب الى ان الصديقين اذا لم يصطلحا خلال ثلاثة ايام، فان العصمة تنقطع بينها وبين الله تعالى، بل ذهبت التوصيات الى ان المظلوم من احد الطرفين ينبغي عليه ان يذهب الى الظالم ويقول له: انا الظالم حتى يسمح لتوتراته بالانفراج، ويتحسس الخجل من نفسه ويتصالح الطرفان، وهناك عشرات من التوصيات المماثلة حتى في نطاق مائدة الطعام او السفر أو الجماعة التعليمية الخ، حيث العشرات من التوصيات المؤكدة لضرورة مراعاة كل واحد للاخر، والتنازل عن حقه، ... الخ، اولئك جميعاً تكشف عن حرص الاسلام على توثيق العلاقة بين الاطراف، وفي مقدمتها: العلاقة بين المؤمنين، وهو ما ورد في الدعاء الذي نحدثك عنه.
لقد ورد في النص القرآني الكريم ان الله تعالى هو الذي أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِ المعاصرين للرسالة، كما ان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في هجرته الى المدينة آخي بين مختلف الشخصيات، ومن ثم فان امثلة هذا التاليف وذاك التآخي ونحوهما يظل التعبير الواضح عن حرص الاسلام على جعل المجتمعات والافراد متماسكة، متوازنة، مستقرة، ... الخ.
والان في ضوء التلميحات التي لاحظنا في النصوص القرآنية والحديثية نتقدم الى السؤال الآتي: ماذا نستخلص بوضوح من عبارة: (أسألك باسمك الذي الفت بَيْنَ قُلُوب اوليائك)؟
الجواب: لا نحتاج الى كبير تأمل، حتى نستخلص بوضوح بان الدعاء مادام متوسلاً منذ بدايته بجملة من أسماء الله تعالى وفي مقدمتها: الاسم الاعظم الذي استأثر به في علم الغيب عنده فحسب، فنقول: مادام التوسل قائماً من خلال مختلف حاجات القارئ للدعاء ومادام الاسم المقدس لله تعالى هو: المسوغ لامثلة هذا التوسل: حينئذ نستخلص أهمية الحاجات التي تتوسل الى الله تعالى بقضائها ومن ثم: ختم ذلك بالحاجة التي ختم بها المقطع من الدعاء وهو عبارة: (أسألك باسمك الذي الفت به بَيْنَ قُلُوبِ اوليائك)، نقول: اختتام قائمة الحاجات بالحاجة الاخيرة يعني مدى اهميتها وهي: التالف والانسجام والمحبة والتعاون والخ، ان المجتمعات عندما تتوحد قلوبها واهدافها وعواطفها: حينئذ يتحقق - كما قلنا- توازن الشخصية في نطاق الفرد، وتوازن الاشخاص والجماعات والطوائف، ... الخ في نطاق المجتمعات.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من أهمية فقرة الدعاء المتقدمة سائلين الله تعالى ان يجعل قلوبنا متألفة حقاً، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******