لا نزال نحدثك عن الادعية، ومنها ادعية الإمام المهدي (عليه السلام)، حيث حدثناك عن احدها عبر مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا الى مقطع ورد فيه: (اللهم اعصمني من الزلل) ، الى ان يقول: (واعفني من الاوجاع والعلل، وبلغنيّ بموالي وبفضلك افضل الأمل) . هاتان الفقرتان امتداد لمقطع سابق يتوسل بالله تعالى ان يعصمه من الزلل، ويسدّده في القول والعمل، وان يعفيه وهذا ما تتضمنه الفقرة القائلة: (واعفني من الاوجاع والعلل) ، ثم يختم المقطع بعبارة: (وبلغنيّ بموالي وبفضلك افضل الأمل) . ان هاتين العبارتين تتصل احداهما بالأمراض، والاخرى تتصل بالبعد الولائي من خلال أفضل مستوياته، والسؤال الآن: ماذا نستلهم من تلك الفقرتين؟
بالنسبة الى الفقرة الاولى وهي: (واعفني من الاوجاع والعلل) ، نلفت نظرك الى ان النصوص الشرعية تحرص على تحقيق الاشباعات لهذا الشخص او ذاك، لذلك تحرص على رفع الوجع ورفع العلة حيث ان كليهما هو المحقق للاشباع التام ولعلّ قارئ الدعاء يتساءل عن الفارق بين (الاوجاع) وبين (العلل) حيث جمعها الامام المهدي (عليه السلام) في هذا المقطع؟
الجواب: (العلة) هي اعمّ من (الوجع)، اي: ان (الوجع) هو الألم المنبعث من الجسم، واما (العلة) فهي قد تكون كذلك. وقد تفترق عنها بما هو اعمّ كما هو طابع كثير من الأمراض غير المقترنة بالوجع كالربو مثلا ونحو ذلك. والمهم - كما قلنا- ان حرص التشريع للاشباع التام يفسّر لنا امثلة هذه الفقرة التي تشير الى نمطين من الامراض، احدها المصوب بالوجع، والآخر ليس كذلك، بل قد يكون اشدّ من الاول وهو العلة بالنحو الذي اوضحناه.
تبقى الفقرة الاخيرة وهي: (وبلغني بموالي وبفضلك افضل الأمل) وهو موضوع يتطلب جانباً من التوضيح. كيف ذلك؟
ان هذه الفقرة تضطلع ببيان اهمّ محاور العقيدة، وتعني بها: الولاية، حيث تحتمل دلالتين، امّا القسم بالله تعالى وبالموالي أو يتحقق الامل من خلال رضاه تعالى والموالي (الاربعة عشر معصوماً عليهم السلام)، ففي الحالتين ثمة (أمل) لابد وان نستكشفه اي: نستخلصه وهو: اما الامل بمعناه العام أو الحاجات التي يتطلع اليها قارئ الدعاء، أو بمعناه المرتبط بالولاية.
بعد ذلك نواجه مقطعاً جديداً يبدأ على النحو الآتي: (اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واقبل توبتي وارحم عبرتي، واقلني عثرتي، ونفسّ كربتي، واغفر لي خطيئتي واصلح لي في ذرّيتي) . ان هذا المقطع كسابقه يتألف من خمس فقرات، تخضع لا يقاع موّحد من حيث الفواصل لكل عبارة، ولهذا التوحد في الايقاع دلالته، وتعني: ان الموضوعات المتوسّل بها اما ان تتجانس في دلالتها، أو يفضي كلّ منها الى الاخر على نحو ما سنوضحه ان شاء الله تعالى في لقاءات لاحقة.
اما الآن حسبنا ان نترك لك قراءة العبارات، وهي: (اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واقبل توبتي، وارحم عبرتي، ونفسّ كربتي، ... الخ) ، وهو ما نحدثك عنه ان شاء الله تعالى في لقاءات لاحقة، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******