بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم إخوة الإيمان، معكم أيّها الأحباء في لقاء جديد من هذا البرنامج، نستنير فيه بالكلام المحمّدي وهو يهدينا ليس إلى أدب الكلام وحسب بل وإلى أدب الحياة الطيبة الكريمة الحقّة أيضاً.
في هذا اللقاء نتناول إشارات لخصوصية كلام سيد الفصحاء والبلغاء والأنبياء في مجال حسن وجمال التمثيل لدور الكون في إعانة الإنسان على سلوك صراط الحياة الكريمة.. كونوا معنا أعزائنا..
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) والفن:
إن النبي محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو سيد العارفين كان يعلم علماً ربانيا طبيعة الفن والأدب في حياة الإنسان، وما هو الفن والأدب الذي ينبغي أن يكون، فالفن أحياناً يعين على فهم حقائق الأشياء واستكناهها، وهذا مانهجه القرآن الكريم في لغته الفنيّة، ولوحظ في كثير من نصوص الحديث الشريف.
يقول الشاعر:
وبيان أحمد قوةً وعذوبةً
ونهىً ورأياً في الحياة جميلا
وقال الآخر:
صفحة الكون بدلت في ثوان
بين مرآتها ضمير الدهور
فإذاً أحمد العظيم نبي
والمجيد القرآن حلم العصور
ولقد صوّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على سبيل المثال مشاعر الأرض وإحساساتها تصويراً فنياً رائعاً يعكس تعاطفها مع العبد الصالح الطائع واشمئزازها من العبد الضالع في معصية ربّه مثيراً بذلك نوازع التقوى الفطرية فيقول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر فيما قال: "يا أباذر، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها يوم القيامة وما من منزل ينزله قوم إلا وأصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم. يا أباذر ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضا: يا جارة هل مر بك من ذكر الله تعالى أو عبد وضع جبهته عليك ساجداً لله ؟ فمن قائلة لا، ومن قائلة نعم، فإذا قالت نعم، اهتزت وانشرحت وترى أن لها الفضل على جارتها".
ومن جوامع كلم الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخر خطبة له: "طوبي لمن طاب خلقه، وطهرت سجيته، وصلحت سريرته، وحسنت علانيته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، وأنصف الناس من نفسه". وحينما سئل من أحب الناس إلى الله جمع (صلى الله عليه وآله وسلم) معنى الخير والصدقة والإحسان بقوله: "أنفع الناس للناس"
إن العمل الفني لا يحاكي الصورة المثالية للشيء الثابت، لكنه يصنع أشياء بلغة الفن مصورة في خيال المبدع كتلك التي نراها في العالم، لكنه لا يخلق شيئا إلا وله جذر في الوجود، فالشجرة موجود ثابت لكنها في حديث سيد الأنبياء – صلى الله عليه وآله – تتحول في تمثيل دقيق إلى معين للإنسان على استشراف حقيقة الحياة الكريمة، لاحظوا أعزائنا قوله – صلى الله عليه وآله –: (قال حبيبي جبرئيل: "إن مثل هذا الدين كمثل شجرة ثابتة، الإيمان أصلها والصلاة عروقها، والزكاة ماؤها، والصوم سعفها، وحسن الخلق ورقها، والكفّ عن المحارم ثمرها" فنرى الشجرة هنا ليست الشجرة المعهودة في الوجود، ولكن لغة الفن أعادت تشكيل عناصرها، ورتبتها ترتيبا جميلاً.
وأخيراً نلخّص النتيجة المحورية المستفادة مما تقدم في هذا اللقاء بالقول: إن من أهم خصوصيات الكلام المؤثّر التي نستفيدها من كلام حبيبنا سيد الرسل – صلى الله عليه وآله – هي أن يكون وفي عرضه لأي حقيقة هادفا لتصوير حالها بما يعين مخاطبه على إستلهام قيم الحياة الكريمة منها.
كونوا معنا أعزائنا في الحلقة المقبلة من برنامج «تأملات في أدب المصطفى» (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي تستمعون له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران
تقبل الله منكم جميل الإصغاء ودمتم بكل خير.