بسم الله وله الحمد والمجد خالق الإنسان ومعلمه البيان والصلاة والسلام على نبي الرحمة وآله معادن الحكمة.
السلام عليكم مستمعينا الأفاضل، على بركة الله نلتقيكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج نخصصها للحديث عن أدب الخطابة في كلام سيد الفصحاء – صلى الله عليه واله –، فما هي مميزات الخطابة المحمدية؟
للحصول علي الإجابة تابعوا هذه الحلقة من برنامج تأملات في أدب المصطفي _صلى الله عليه وآله_
الرسول والخطابة: لقد منح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده وصيه الإمام علي عليه السلام مفتاح الخطابة فسجلت نصوصهما في ميراث الأدب الإسلامي وحفظت في قلوب المسلمين كروائع عشقها المستمعون فاستنسختها أفئدتهم عبر الأزمنة لتصل إلينا في مدونات الأدب والتاريخ. ولا شك في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أخطب الأولين والآخرين، وقد عرفت بعض خطبه القصيرة في مجتمع مكة قبل هجرته داعيا في هذه الخطب إلى التوحيد ونبذ الشرك، وقد تحولت خطبه بعد هجرته إلى المدينة إلى اللون السياسي والعبادي، فقد كان يخطب كل جمعة كفرض عبادي في مناسك الجمعة وكذلك في العيدين، ثم كثرت دواعي الخطبة هناك لكونها كانت تمثل الأعلام الناطق للنبي صلى الله عليه وآله وسلم...
مستمعينا الأفاضل، لا شك أن سيد المرسلين – صلى الله عليه وآله – قد ورث الخلق تراثا ضخما من االخطب احتفظت كتب الأدب والتاريخ بنماذج منه. وكانت بعض خطبه – صلى الله عليه وآله – قصيرة فيما كان يطيل خطبه أحيانا وفي بعض المناسبات.. يعظ الناس ويدعوهم إلى التفكر في الكون وخالقه ومدبره، ويعالج مشاكلهم الإجتماعية والمعنوية ويبين لهم إحتياجاتهم الفكرية والعقائدية المتنوعة. والقاسم المشترك الذي يميز هذه الخطب القصير منها والطويل هو قوة نفوذها في قلوب المستمعين.
وعامة خطب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فيها جمال أخاذ مع عمق في المحتوى والمضمون الذي فيها، وقد تجنبت ألفاظه الغريب والمستكره من الألفاظ مراعاة لجمهور المخاطبين وتسنينا لأدب الخطبة.
وقد امتزجت الخطبة السياسية بالخطبة الدينية لديه صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان يرى أن سياسة الإسلام سياسة عبادية لذلك لا تجد انفكاكا وانفصاما يمكن ملاحظته بين الخطبتين، بل وحتى خطب المحافل والمناسبات الإجتماعية التي كانت تحصل بالمدينة لم تتغير هوية الخطبة النبوية، فالخطبة لدى النبي واحدة ذات هدف إنساني إجتماعي توحيدي تعبدي، ولا تخلو خطبه من التوجيه الى الطاعة والخشوع وعدم إتباع الشهوات، فالملاحظ أن خطبه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات موضوع واحد، وهو إثارة الشعور الديني، ومن هذا المنطلق تأتي مواضع السياسة والحياة، فالدين هو الباعث لعمارة الأرض، وهو المؤسس للنظام السياسي والإقتصادي والإجتماعي وقوانين الحكومة الإسلامية الأولى ونظمها في المدينة كانت تنتقل عبر قنوات الدين فالوحي الأمين هو الذي يوحي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويأتيه ليعين للمسلمين آخر التشريعات الدينية وما استجد من أحكام، أملاها عليه الوحي الأمين من العرش السماوي، ولا يعني أن الرسول كان مهمل لجزئيات حياة المسلمين وهمومهم اليومية، فالخصومات والمستجدات الإجتماعية كانت تنال إهتمام نبي الرحمة، فكان يعطي المواقف والإجابات لحياة الناس اليومية، وحتى أنه كان يحضر دعوات الإطعام والأعراس ويخطب فيها، إلا أن موضوع الخطبة المنظم والمبرمج كان في صلاة الجمعة وخطبتها، وكانت إلى جانب ذلك الأحداث الخطيرة المهمة التي ترتبط بحياة المسلمين فتنتزع من وقته خطبا مطولة منظمة كخطبة يوم الغدير في حجة الوداع التي وضعت مسألة إمامة المسلمين بيد علي عليه السلام من بعده. وتعد هذه الخطبة من ذخائر تراث أهل البيت _عليهم السلام_ لأشتمالها على بيان جميع ماتحتاجه الأمة إلى يوم القيامة.
إذن مستمعينا الأكارم، فأدب الخطابة في كلام سيدنا المصطفى _صلى الله عليه واله_ إيصال ما يحتاجه المخاطبون في سيرهم التكاملي وجميع ما ينفعهم لدينهم ودنياهم، يعرض عليهم بلغة تنفذ الى القلوب وتدفع للعمل وتتم الحجة على السامعين بما لا يبقي مجالا للشك والشبهات.
وها نحن نصل أيها الأعزاء إلى ختام الحلقة الرابعة من برنامج (تأملات في أدب المصطفى) صلى الله عليه وآله وسلم خصصناه للحديث عن أدب الخطابة النبوية، من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران نتمنى لكم أطيب الأوقات ودمتم بكل خير.