خبير البرنامج: فضيلة الشيخ هادي العقيلي أستاذ الحوزة العلمية من العراق
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرات المستمعين الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلا ومرحباً بكم في لقاء جديد لبرنامج (آداب شرعية لحياة طيبة). موضوع هذه الحلقة هو "الرفق واللين في التعامل مع الآخرين". نرجو قضاء وقت ممتع مع فقرات هذه الحلقة. ونتمنى لكم كل خير وسعادة وهناء.
عزيزي المستمع، الرفق واللين من أفضل الطرق وأسهلها للوصول الى الأهداف الكبيرة في الحياة. وهو أحسن وسيلة لتحقيق النتائج الجيدة والحسنة في التعامل مع الآخرين، حتى في عقد الصفقات التجارية والمعاملات. فيستطيع الإنسان بطلاقة الوجه وعذوبة الحديث وحسن الخلق والإبتسامة أن يجذب قلوب الآخرين ويترك انطباعاً جيدا لديهم ويكسب مودتهم. والإنسان قد يستطيع بالعنت والقوة ان يصل الى غايته ولكن ذلك لايدوم.
والاسلام يأمرنا بالرفق واللين والتسامح. فالسماح رباح وجاء في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- انه قال: "رحم الله عبداً سمحاً اذا باع وسمحاً اذا اشترى وسمحاً اذا تقاضى".
والقرآن يعلمنا أسلوب التعامل مع الناس.
قال الله تعالى مبيّنا لرسوله الكريم محمد -صلى الله عليه وآله- .
وللانسانية جمعاء اساس الرفق واللين "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ..."(سورة آل عمران۱٥۹) وقال الامام علي –عليه السلام-: "الرفق مفتاح النجاح". وقال أيضاً: "من عامل الناس الرفق غنم".
وقال سلام الله: "يدرك بالرفق ما لايدرك بالعنف".
عزيزي المستمع، من العوامل الاساسية في معاملة الناس والدخول الى قلوبهم وكسبهم والتأثير فيهم: الرفق واللين والتسامح معهم وغضّ النظر عن الزلّات والعفو وحسن الظن. وذلك لان الانسان يعيش مع بشر لهم مشاعر وعواطف فضلاً عن عقول وإرادات وكرامة.
إن الاسلام يأمر بالرفق بالحيوان وينهى عن لعن البهائم او ضربها على وجوهها. والبهائم التي سخرها الله لخدمة الانسان ومصلحته تسهل قيادها لمن يلتزم بالتعامل معها برفق ولين ورحمة أليس خليقا بالمرء اما يتعامل مع الناس بالرفق واللين والمحبة والمودة. ان الناس بطبيعتهم لايميلون الى العنف في التعامل بل يميلون الى الرفقاء اللّينين الرحماء ويحبون الذين يجعلونهم يشعرون بالاستقرار والوئام وراحة البال وصفاء الذهن. يقول العلامة محمد مهدي النراقي في كتابة (جامع السعادات): (ان التجربة شاهدة على ان امضاء الامور وإنجاح المقاصد موقوف على الرفق واللين مع الخلائق، فكل ملك كان رفيقاً بجنده ورعيته إنتظم أمره ودام ملكه وسعدت رعيته وذكرت أيامه بالسعد والرفاه. وان كان فظّاً غليظاً اختل امره وانهار ملكه وزال سلطانه وانفض الناس من حوله وان طال به الزمان).
مستمعينا الأكارم عن أهمية الرفق واللين في انجاح مقاصد الإنسان والتمتع بالحياة السعيدة يحدثنا ضيفنا الكريم في هذا اللقاء، فضيلة الشيخ هادي العقيلي، الأستاذ في الحوزة العلمية من العراق، فلنستمع معاً لما يقوله:
العقيلي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين
السلام عليكم وعلى مستمعيكم الكرام في مشارق الأرض ومغاربها
هذا سؤال جيد وأي فكرة وأي برنامج لأي إنسان سواء كان هدفه توعوي، أخلاقي، إجتماعي، ديني او حتى عائلي يمكن أن ينطلق من هذا الموضوع ألا وهو الرفق ونضرب على ذلك مثلاً، الله سبحانه وتعالى وهو أفضل القائلين وأعز القائلين يقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "لو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك"، ماذا يعني؟ يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي جاء بأفضل شيء في الوجود على الإطلاق وهو الدين الإسلامي الحنيف، جاء به بالموعظة والكلمة الحسنة والحكمة ولم يأتي به من خلال العناد او من خلال التجاوز او من خلال الإجهاز على أفكار وتصرفات وأذهان وسلوكيات الآخرين وإنما من خلال الكلمة الطيبة والأسلوب الحسن نقول أفضل اللينات في المجتمع الإسلامي وفي كل المجتمعات هي الأسرة، بين الزوج وزوجته، بين الأطفال، بين الأولاد وبنات، يتعامل الأب وتتعامل الأم لتهديتهما والإحسان إليهما والتواصل معهما وإيصالهم لمختلف المعلومات والتفاصيل. الله سبحانه وتعالى في الآية التي تحكم العلاقة بين الزوج وزوجته يقول "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة"، تلك المودة والرحمة لايمكن أن تخلق إلا إذا كان هناك رفقاً وليناً وسهولة في التعامل مع الزوجين وأبناء المجتمع الواحد، لايمكن أن يتقبل مني الآخر سواء كان أبني، أخي، صديقي وسواء كان أي شخص في المجتمع وهكذا المرأة مع صديقتها وأبنتها وأختها وأبنة مجتمعها وأبنة دائرتها والخ، لايمكن أن تتقبل إلا إذا أوصلت تلك المعلومة او ذلك الأمر او تعاملت تلك المعاملة بتعامل فيه إجهاز على فكر وإجهاز على مايعتقده الآخر إلا أن يكون هناك طريقة سلسلة لما أريد وأعتقد ان أوصل من أفكار ومن معلومات ومن برامج تكون نافعة في حياتنا بتفاصيلها.
مع تقديم شكرنا لفضيلة الشيخ هادي العقيلي نتابع تقديم حلقة اليوم من برنامجكم (آداب شرعية لحياة طيبة) من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
أعزاءنا المستمعين ان الغلظة والعنف في التعامل يولدان في الطرف الآخر الشعور بالحقد والبغضاء. فاذا كان قلب الشخص الآخر مفعماً بالحنق على المرء والبغضاء له، فان هذا الاخير ليسعه ان بكسب وده ويقنعه بوجهة نظره وأدائه.
وفي مجال التربية والعائلة والاسرة فان الآباء والازواج والمدراء اذا أرادوا كسب أولادهم وأزواجهم ومرؤوسيهم والوصول الى الاغراض التي يريدونها منهم فان عليهم ان يتوسّلوا بالرفق واللين واللطف.
والدين يطالبنا دائماً بالرفق واللين في معاملة الناس بل حتى في العقاب بالنسبة للمقصّرين أو المسيئين. ان المرء في تعامله مع الناس قد يكون لطيفا دقيقا حلو الحديث بشوشا. ولكنه عندما يكون مقتدرا صاحب نفوذ وسلطة قد يتغير. ومن هنا فالرفق واللين مطلوبان حتى في القدرة.
يقول الامام علي بن ابي طالب –عليه السلام-: (اذا عاقبت فارفق).
وقال: (الولايات مضامير الرجال).
اي ان المرء يشعر في عندما يصل الى سلطة عامة وولاية ومركز اجتماعي أي ان المناصب العالية مثل أرض السباق وتطهر معادن الرجال وخصالهم فمن أعطي منصب ولم يتغير فذلك هو السعيد.
وفي هذا المعنى قال ابراهام لنكون: (تجد أغلب الناس يصبرون في الشدائد ويعاملونك بلطف. ولكن اذا أردت أن تختبر شخصية انسان فامنحه سلطة ثم انظرماذا يفعل؟؟!).
عزيزي المستمع، كان رسول الله -صلى الله عليه وآله- مع عظم شأنه وانه سيد الخلق وخاتم النبيين رؤوفاً رحيما بصورةٍ تملك قلوب الناس. ونزل في قلوب الملايين من البشر، ممن تشرّف برؤيته وممن سمع جوامع حكمه وكلماته. فقد قال -صلى الله عليه وآله-: "ما وضع الرفق في شيء الازالة ولا دفع عن شيء الا شأنه".
ان المرء في تعامله مع الناس ينبغي أن يتأسى برسول الله –صلى الله عليه وآله- بالرفق بهم واللين والتسامح والرحمة معهم فالرفق أفضل وسيلة الى النجاح في معاملة الناس. هذا النجاح الذي يشكل جانبا مهما من جوانب الحياة السعيدة.
أيها الإخوة والأخوات، وفي هذا الموضوع نوجه سؤالا آخر لخبير البرنامج فضيلة الشيخ هادي العقيلي، الأستاذ في الحوزة العلمية من العراق، وهو: «ما هي آثار التعامل بالرفق واللين في هداية المنحرفين الى السلوك السليم؟» لنستمع معاً لإجابته.
العقيلي: "الكلمة الطيبة صدقة" وإنما قيل أن الكلمة الطيبة صدقة ماذا يعني؟ يعني إننا نتصدق بشيء مثلاً له أثر فإن الكلمة الطيبة لها أثرها، لها دورها فإن الآثار الإجتماعية للرفق وللين تخلق مجتمعات طيبة مابالك بالجرحى الذين سقطوا في معركة بدر معركة رسول الله صلى الله عليه وآله الأولى فها الجريح لايشرب شيئاً من الماء حتى يشرب أخيه الجريح الآخر الى أن هلك بعضهم وإستشهدوا رحمة الله على أرواحهم الطيبة الطاهرة فهذه حادثة، والحالة الأخرى أن الأنصار في حادثة المهاجرين والأنصار في هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله فهاجر معه زوجاتهم وقاسموه بيوتهم، من الذي يستطيع أن يتصور هذه الحال؟ من الذي خلق هذه الفكرة وهذه الروحية عند المؤمن أن يتنازل عن نصف داره ويتنازل عن احدى زوجاته لأخيه المهاجر في الله لينصر الله وينصر رسول الله في ذلك. أقول ان الذي نشر ذلك هو الرفق، الذي نشر ذلك هو اللين، الذي وضحه هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نعلم أن ديننا ومجتمعنا وإسلامنا سهل ولين وبسيط ويريد بنا الخير ويريد أن نذهب نحو الصلاح ونحو لاإله إلا الله ومحمد رسول الله حتى ننال بذلك الجنان والرضوان.
نشكر ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ هادي العقيلي، الأستاذ في الحوزة العلمية من العراق، على ما تفضل به في لقاء اليوم من برنامج (آداب شرعية لحياة طيبة)، والذي إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران... كونوا معنا في لقائنا المقبل إن شاء الله... دمتم سالمين، وفي أمان الله وحفظه.