أمّ البنين وما أسمي مزاياك
خلّدت بالصبر والأيمان ذكراك
أبناؤك العزّ في يوم الطفوف قضوا
وضمخوا في ثراها بالدم الزاكي
لما أتي بشر ينعاهم ويندبهم
إليك لم تنفجر بالدمع عيناك
وقلت قولتك العظمي التي خلدت
الي القيامة باقٍ عطرها الزاكي
أفدي بروحي وأبنائي الحسين إذا
عاش الحسين قرير العين مولاكِ
*******
السلام عليك يا ام البنين، السلام عليك يا من اختارها الله زوجة لأمير المؤمنين، السلام عليك يا من وفت لربها بتربية أولادها لنصرة الحسين السلام عليك يا من سماها الامام علي وفية القلب واليقين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعظم الله لنا ولكم الاجر والثواب بوفاة سيدتنا ومولاتنا ام البنين عليها السلام نحييكم خلال هذا البرنامج الخاص الذي يقدم لكم احياءً لهذه المناسبة الأليمة وذلك عبر محطات هذا اللقاء التي تشتمل علي:
- وفاة أم البنين (سلام الله عليها) في المصادر التأريخية
- ثم نتعرف وإياكم علي اهم القابها وكناها (سلام الله عليها)
- وفي فقرة كرامات ام البنين (سلام الله عليها) نستمع الي حديث الاستاذ أبي عمار والذي ينقل لنا الكرامة التي عاشها بنفسه
- وأخيراً نأتي علي دورها في ملحمة سيد الشهداء (عليه السلام)
- ويتخيل هذه المحطات مساهماتكم التأبينية في ذكري رحيل ام البنين (سلام الله عليها) وأشعار في مدحها
*******
نبدأ بما ذكرته المصادر التأريخية عن وفاة مولاتنا ام البنين سلام الله عليها ضمن فقرة عنوانها هو:
وفاةُ أمّ البنين (عليها السلام)
جاء في كتاب الاختيارات عن الأعمش قال: دخلت علي الأمام زين العابدين في الثالث عشر من جمادي الاخرة وكان يوم جمعة، فدخل الفضل بن العباس (عليه السلام) وهو باك حزين، وهو يقول: (لقد ماتت جدّتي أم البنين)، كما جاء في هامش "وقائع الشهور والأيام" للبيرجندي ونصّه مايلي: (وفيه - يقصد الثالث عشر من جمادي الاخرة - توفيّت أم البنين الكلابية (عليه السلام) سنة (64 للهجرة النبوية) ويسند هذا الخبر الي الاعمش كما في الخبر السابق).
في الثالث عشر من شهر جمادي الآخر من كل عام تتجدد أحزان المؤمنين وهم يعيشون لواعج الأحزان في الثالث من هذا الشهر نفسه من كل عام لذكري رحيل سيدة نساء العالمين الصديقة الزهراء عليها السلام. تتجدد أحزانهم لذكري رحيل سيدة الوفاء أم البنين (سلام الله عليها) حيث رحلت الي ربها راضية مرضية، ولنا ان نتصور أماً تفارق الحياة غريبة وحيدة قضت عمراً مديداً في الولاء والوفاء، وقد ربّت اربعة من الأولاد، مثل أبي الفضل واخوته (عليه السلام) وعاشت في كنف الأئمة مثل الحسن والحسين وزين العابدين (عليهم السلام).
مضت الي ربها بعد ان ملأت اجواء المدينة نياحة ونحيباً وبكاءاً علي تلك الطلول والديار التي خلت من اهلها، بعد ان كانت تزهر بالوجوه النيرات، وجوه ال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المشرقات. وقد استهتر العدو فيها حتي هدمها ولم يبق منها عين ولا اثر، حيث امر عمرو بن سعيد وكان فظاًغليظ القلب - صاحب شرطته ان يهدم دور بني هاشم ففعل وبلغ منهم كل مبلغ.
جاء في كتاب رياض الأحزان، انه جاء الأمر من الطاغية يزيد بعد استشهاد الحسين واصحابه في طف كربلاء، بتخريب دور آل عقيل بن ابي طالب ودور الحسين واخوته (عليهم السلام) فخربوها فأصبحت بلاقع.
اجل ايها الموالون رحلت ام البنين (سلام الله عليها) وخلفت وراءها الذكريات التي كانت تعبق بالشهامة والوفاء والبطولة والولاء وقد خلّفت لمحبيها دمعة لا ترقأ علي سيد الشهداء وذكري طيبة من اولادها الذين ضحّوا بين يدي ابناء سيدة النساء (عليهم جميعاً سلام الله).
كيف لا وهي التي ارادها الأمام امير المؤمنين (عليه السلام) وقد ولدتها الفحولة من العرب لتلد له غلاماً فارساً شجاعاً يكون عضداً لأخيه الحسين وناصراً له في طف كربلاء وبالفعل ولدت له اربعة بنين هم العباس وعبد الله وجعفر وعثمان (عليهم السلام) وقد استشهدوا جميعاً بين يدي الحسين (عليه السلام) في كربلاء.
وفي أم البنين سلام الله عليها يقول الأديب الخطيب الشيخ محسن الفاضلي في ارجوزته بعنوان ام البنين:
ام البنين زوج مولانا علي
ناهيكمو عن ذلك الفضل الجلي
والدة العباس ذيّاك الاغر
شمس الكرامات ونجلها القمر
بها الي الله توسل كي تنل
كلّ الذي ترجو تحظي بالأمل
تلك التي مثّلت المودّة
في آل طه في الرخا والشدة
*******
لله صبرها بيوم اقبل
ناعي الحسين والدموع اسبل
تسأله كأنها لم تسمع
نعي شهيد كربلا ولم تع
تقول أخبرني عن إمامي
والطرف منها بالدموع هامي
اخبرها آهٍ بفقد الأربعة
ابنائها وهو يهلّ أدمعه
قالت هم الفداء للحسين
روح نبينا ونور عيني
لا ُتخف بالله عليك مني
حقيقة الأمر أهجت حزني
هل الحسين عائدٌ فأنتظر
فعندها قال بدمعٍ منهمر
آجرك الله قضي بكربلاء
ظمآن مذبوحاً بهاتيك الفلا
ولا تسل عن حالها مذ سمعت
ذلك بالحرقة نادت وبكت
يا أسفي عليك يابن المصطفي
بعدك مولاي علي الدنيا العفي
*******
نحييكم من جديد ونرحب بكم الي برنامج ايام خالدة عبر اثير اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وننتقل بكم الي المحطة التالية وهي:
كني ام البنين والقابها
قبل ان نستعرض لحضراتكم بعضاً من كناها والقابها (سلام الله عليها) لا بد ان نشير الي نقطة وهي ان الكنية التي اشتهرت بها بعد زواجها من أمير المؤمنين (عليه السلام) هي أم البنين وذلك لسببين الاول: لان الغرض من اختيارها زوجة للأمام علي (عليه السلام) هو لكي تكون رحماً طاهراً ينجب أخ الحسين المواسي، فقد ذكرت الروايات أن سيد الوصيين (عليه السلام) قال لأخيه عقيل يوم أمره بالخطبة: انظر لي امرأة ولدتها الفحولة من العرب من ذوي البيوت والنسب والحسب والشجاعة لكي أصيب منها ولداً يكون شجاعاً وعضداً نصير ولدي هذا - واشار الي الحسين (عليه السلام) - يواسيه في طف كربلاء.
اما السبب الثاني هو انها طلبت من الامام امير المؤمنين ان لا يخاطبها باسمها "فاطمة" لئلّا يتذكر أولادها الابرار أمهم الصديقة الكبري سلام الله عليها، فاختار لها الامام هذه الكنية. وإضافة لهذه الكنية المشهورة عرفت السيدة أم البنين بكني أخري هي:
• أم العباس: وهي كنية مشهورة لها (سلام الله عليها) وحق لها أن تتكني باسم حامل راية سيد شباب اهل الجنة واكبر اولادها قمر بني هاشم والعضد الايمن للحسين (عليه السلام).
• ام الاربعة: وقد عرفت بهذه الكنية من خلال ما انعم الله عليها من البنين الاربعة الذين ولدتهم لامير المؤمنين (عليه السلام) وادّخرتهم لنصرة الحسين (عليه السلام).
• ام الفداء: فهي حقاً ام الفداء لما ابلت بلاءً صعباً في التضحية ايام حياتها مع الائمة (عليه السلام).
• ام الوفاء: ان ام البنين عرفت بأم الوفاء لوفائها لأمير المؤمنين في حياته وبعد استشهاده حيث لم تتزوج بعده رغم كثرة الخطّاب كما كانت ام البنين مثلاً في الوفاء لفاطمة الزهراء ولأولادها الكرام.
اما من القابها (سلام الله عليها) فنذكر لقب "أَمَةُ الزهراء" اذ لقبت بهذا لانها كانت تفتخر بحق انها دخلت بيت الزهراء (سلام الله عليها) وخدمت اولادها تتقرب بذلك الي الله عزوجل وتتعبد اليه جل جلاله بخدمة ذرية ونهج سيدة نساء العالمين (عليه السلام) وهي قطب النبوة والإمامة. وهذا أنبل وأشرف وسام للمرأة المؤمنة. كما تذكر القاب اخري للسيدة ام البنين منها: الشفيعة والميسرة والمخدّرة.
*******
اما الان فننتقل الي جانبٍ مهم آخر من حياتها (سلام الله عليها) المفعمة بالايمان والتضحية والفداء وهو في المحطة التالية وهي بعنوان:
أم البنين (سلام الله عليها) تحيي ذكري عاشوراء
كانت ام البنين (سلام الله عليها) من النساء الفاضلات العارفات بزمانها والعارفات بحق اهل البيت (عليه السلام) كما كانت فصيحة بليغة ورعة، وكانت ممن حمي حريم الحسين (عليه السلام) وأقامت العزاء عليه لتشارك في حفظ ثورته وتخليد ملحمته والوفاء لدمه الذي سكن في الخلد، وتشكل حلقة مهمة في امتداد الثورة الحسينية وتكون صوتاً للحنجرة المقدسة التي قطعت في طف كربلاء.
لقد اتخذت ام البنين (عليه السلام) من الندبة والنياحة سبيلاً للنداء بمظلومية الحسين وال البيت (عليه السلام). فكانت تحمل عبيد الله بن العباس (عليه السلام) وتخرج الي البقيع لتقيم المآتم علي قتيل العبرات، وتندب اولادها اشجي ندبة. وقد كانت ام البنين (سلام الله عليها) تتوخي من وراء ذلك.
اولاً: اقامة المآتم علي سيد الشهداء (عليه السلام) وريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعظيم شعائر الله.
ثانياً: لتعلن للملاء مناقبية الحسين (عليه السلام) وأنصاره ومظلوميتهم.
ثالثاً: لتشرح احداث كربلاء وما وقع فيها من ظلامات لآل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفجائع يخجل منها كل مخلوق وتصيغ ذلك بأسلوب الندبة العاطفي وتعلن بذلك اعتراضها علي الوضع القائم وحكومة الطاغوت.
رابعاً: لتفضح الحكام الظلمة الذين تسلطوا علي مقدرات الأمة وحاولوا تظليل الناس وقلب الحقائق فكانت ام البنين (عليه السلام) تبين الحق والحقيقة من خلال ذلك.
السبب الخامس: من اهم الاسباب التي دعت السيدة ام البنين (سلام الله عليها) لاقامة المآتم الحسينية وهو تحريض الناس ضد بني امية واذنابهم والمطالبة بدماء الاحرار من ال البيت (عليه السلام).
كانت السيدة ام البنين تخرج الي البقيع - مع ان قبر الحسين واخوته واصحابه (عليه السلام) في كربلاء. حتي يجتمع الناس هناك وليتذكروا مظالم الامام الحسن (عليه السلام) وريحانة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعيد لهم ذكرياتهم مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هناك وتذكرهم بمواقف المسلمين في صدر الاسلام في الذبّ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واله وقد ضمّتهم الان هذه المقبرة المقدسة.
فكانت ام البنين (سلام الله عليها) تحمل معها عبيد الله بن العباس (عليه السلام) اي حفيدها باعتباره كان حاضراً يوم الطف فهو شاهد عيان وبرهان حي يروي لهم ولمن سيأتي من الأجيال.
لقد ساهمت ام البنين (عليه السلام) في ابلاغ خطاب عاشوراء الي المجتمع المعاصر لها وابلغت سامع الايام ليتردّد صوتها الي جانب صوت ام المصائب زينب (سلام الله عليها) حينما وقفت كالطود الشافع لا تحركه العواصف لتحمي ثورة الحسين (عليه السلام) وتحفظ الحق ورسالة التوحيد علي طول خطّ التاريخ.
*******