شجون تستهل لها الدموع
وتحرق من لواعجها الضلوع
وقفت علي البقيع فسال طرفي
و قلبي فالدموع هي النجيع
كأن مصيبة الزهراء بيتٌ
بقلبي للأسي وهو البقيع
أمثل البضعة الزهراء تـُجفي
ويعفا قبرها وهو الرفيع
ويغصب حقها جهراً وتؤذي
بحيث وصية الهادي تضيع
مصائب بالفظاعة قد تناهبت
وكل مصيبة خطب فظيع
قضت ألماً من الزهراء فيها
حشاشة قلبها وهو المروع
*******
السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة، السلام عليك أيتها الرضية المرضية، السلام عليك أيتها المظلومة المغصوبة حقها السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليك، أشهد انك قد مضيت علي بينة من ربك وأن من جفاك فقد جفا الله ورسوله ومن آذاك فقد آذاهما ومن أرضاك فقد أرضاهما، أشهد الله وملائكته ورسله أني راض عمن رضيت عنه ساخط علي من سخطت عليه متبرء ممن تبرأت منه موال لمن واليت معاد لمن عاديت، وكفي بالله شهيداً وحسيباً وجازياً ومثيباً.
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات وعظم الله أجورنا وأجوركم بذكري رحيل مولاتنا الصديقة فاطمة الزكية (عليها السلام) معكم وتعظيما لشعائر الله نلتقيكم في برنامج أيام خالدة في حلقته الخاصة بهذه المناسبة مع الفقرات التالية:
- روائية عنوانها وداع الشمس الفاطمية
- تليه فقرة أدبية وأشعار للمرحوم الشيخ أحمد الوائلي في رثاء سيدة النساء (عليها السلام)
- ثم نقدم لكم فقرة روائية عن الأخلاق الفاطمية عنوانها: سيدة الإيثار
- ثم نظرة تحليلية لدورها (عليها السلام) عنوانها: الركن الثاني
*******
نبدأ أعزاءنا بفقرة روائية عن وفاة مولاتنا سيدة النساء (عليها السلام) تحت عنوان هو:
وداع الشمس الفاطمية
روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إن فاطمة بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله) لما إحتضرت نظرت نظراً حاداً ثم قالت: السلام علي جبرئيل، السلام علي رسول الله، اللهم مع رسولك، اللهم في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام.
ثم قالت: أترون ما أري؟
هذه مواكب أهل السموات، وهذا جبرئيل، وهذا رسول الله، ويقول: يا بنية أقدمي فما أمامك خيرٌ لك.
وجاء في رواية أخري أن أهل البيت وجدوا في تلك اللحظات رائحة طيبة كأطيب ما يكون من الطيب.
هكذا ودعت الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) دار الدنيا بعدما أنجزت ما عهد الله إليها عن طريق رسوله (صلي الله عليه وآله) قال مولانا الباقر (عليه السلام): بدو مرض فاطمة بعد خمسين ليلة من وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله) فعلمت أنها الوفاة. فأجتمعت لذلك، تأمر علياً بأمرها وتوصيه بوصيتها وتعهد إليه بعهودها، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يجزع لذلك ويطيعها في كل ما تأمره.
فقالت: يا أبا الحسن، إن رسول الله (صلي الله عليه وآله) عهد إليّ وحدثني أني أول أهله لحوقاً به، ولا بدّ منه فإصبر لأمر الله تعالي وأرض بقضائه.
وقد فسر بعض العلماء المحققين إختلاف الروايات في ذكر مدة بقاء مولاتنا الزهراء بعد إبيها سيد الرسل (صلي الله عليه وآله)، بكون رواية وفاتها بعد أربعين أو خمسين يوماً تشير الي بدء مرضها (عليها السلام) ورواية وفاتها بعد خمس وسبعين يوماً أي في الثالث عشر من شهر جمادي الأول تشير الي إشتداد المرض بها حتي أصبحت كالخيال كما ورد في رواية الإمام الصادق (عليه السلام) في حين كان إلتحاقها بأبيها بعد خمس وتسعين يوماً أي في الثالث من شهر جمادي الثاني في السنة الحادية عشر للهجرة.
وعلي أي حال فجميع هذه الأيام الثلاث هي من الأيام الخالدة لكونها شهدت منعطفات في المصائب المفجعة التي نزلت بسيدة نساء العالمين وهي تدافع عن شريعة ودين ابيها سيد المرسلين صلوات الله عليه وعليها وآلهما أجمعين.
وتذكر الروايات المعتبرة أنها (سلام الله عليها) وهي التي جعل الله رضاه في رضاها وسخطه في سخطها كما صحت بذلك أحاديث الفريقين، أوصت أن لا يشهد تشييعها والصلاة عليها من ظلمها وآذاها وأذي الله ورسوله بذلك.
ولذلك فقد أجري أمير المؤمنين (عليه السلام) مراسم تشييع جسدها الطاهر والصلاة عليه ودفنه ليلاً وسراً ومنع ان يعرف قبرها فلم يشهد تلك المراسم القدسية مع ملائكة الله المقربين وأهل بيتها الطاهرين سوي نفر قليل منهم سلمان والمقداد وأبوذر وعمار رضي الله عنهم أجمعين.
*******
نتابع تقديم هذه الحلقة الخاصة من برنامج ايام خالدة بقراءة ابيات للمرحوم الشيخ احمد الوائلي في مدح سيدة نساء العالمين وذكر جانب من مصابها. في فقرة عنوانها هو:
اه ولوعة وبكاء
أتروح الزهراء تطلب قوتا
والذين استرفدوا بها أغنياء
أطعموك الهوان من بعد عزٍ
وعن الحب نابت البغضاء
أو لم يعلموا بأنك حب
المصطفي حين تحفظ الآباء
أفأجر الرسول هذا، وهذا
لمزيد من العطاء الجزاء
أيها الموسع البتولة هضماً
ويك ما هكذا يكون الوفاء
*******
يالوجد الهدي عليك وعلي
الدنيا وما اُوعت عليه العفاء
نهنهي يا إبنة النبي عن الوجد
فلا برحت بك البرحاء
وأريحي عيناً وإن أذبلتها
دمعةٌ عند جفنها خرساء
ونطوي فوق أضلعٍ كسروها
فهي من بعد كسرهم أنضاء
وتهادي ذاك الحنين المدمي
وإن إستوحشت له الأحشاء
*******
في حشايا الظلام في مخدع
الزهراء آه ولوعة وبكاء
وهي فوق الفراش نضوٌ من
الاسقام كالغصن جف عنه الماء
الرزايا السوداء لم تبق منها
غير روحٍ ألوي بها الاعياء
وكسير من الضلوع تحامت
أن يراه ابن عمها فيساء
فأستجارت بالموت والموت للروح
التي هدها العذاب شفاء
وعليٌ بمدمع يقتضيه الحزن
سكباً وتمنع الكبرياء
فاحتوي فاطماً اليه ونادي
عزّ يا بضعة النبي العزاء
وتولي تجهيزها مثلما أوصته
من حين مدت الظلماء
وعلي القبر ذاب حزناً وندّت
دمعة من عيونه وكفاء
ثم نادي: وديعةٌ يا رسول
الله ردت وعينها حمراء
رحم الله خطيب المنبر الحسيني علي هذه الأبيات المؤثرة في رثاء الصديقة الشهيدة فاطمة الزكية (صلوات الله عليها).
*******
الفقرة الروائية التالية وفيها نفحة من الأخلاق الفاطمية تحت عنوان:
سيدة الايثار
روي فرات الكوفي في كتابه في التفسير بسنده عن أبي سعيد الخدري أن علياً (عليه السلام) أصبح ذات يوم جائعاً فقال: يا فاطمة هل عندك شيء تغذينيه؟
فقالت (سلام الله عليها): لا والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء، وما كان شيء أطعمناه منذ يومين إلا شيء كنت أوثرك به علي نفسي وعلي إبني هذين الحسن والحسين.
فقال عليٌ (عليه السلام): ألا كنت أعلمتيني فأبغي لكم شيئاً؟
فقالت (سلام الله عليها): يا أبا الحسن، إني لأستحيي من إلهي أن أكلف نفسك ما لا تقدر عليه.
ومن هذه الرواية المعبرة عن عظمة أدب الزهراء (عليها السلام) في الرفق بزوجها وإيثاره علي نفسها: ننقلكم الي رواية أخري تعرفنا بنفحة من خلق فاطمة في إيثار شيعتها علي نفسها، أجل فقد روي الشيخ الصدوق في كتاب علل الشرائع بسنده عن مولانا المجتبي (عليه السلام) قال: رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتي إتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟
فقالت: يا بني الجار ثم الدار.
ويستفاد من الأحاديث الشريفة أن بكاء مولاتنا الصديقة الشديدة في دعائها كان ليس خشية علي نفسها بل علي شيعتها وطلباً من الله عزوجل أن يمن عليهم بالأمن، ولذلك نلاحظ في الحديث القدسي الآتي أن الله جل جلاله عندما باهي بعبادتها ملائكة السماء وذكر مظاهر خشيتها وعبادتها أعقب ذلك بأن أشهد ملائكته أنه ضمن لشيعتها الأمان، وهذا الأمر يكشف أن ما كانت تطلبه (سلام الله عليها) هو الأمن للمؤمنين والمؤمنين.
لنتدبر معاً أحباءنا الحديث التالي المبين لجملة من الخصائص الفاطمية: فقد روي الصدوق في كتاب الأمالي، بسنده عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) في حديث طويل ذكر فيه ما يلحق أهل بيته من الظلم بعده، ثم قال (صلي الله عليه وآله): وأما إبنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الأنسية، متي قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، فيقول الله عزوجل لملائكته: يا ملائكتي إنظروا الي أمتي فاطمة سيدة إمائي، قائمة بين يدي، ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها علي عبادتي أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار.
ثم ذكر (صلي الله عليه وآله) ما يجري عليها من الظلم من بعده فقال: كأني بها وقد دخل الذل بيتها وإنتهكت حرمتها وغصبت حقها ومنعت إرثها وكسر جنبها وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية.
فتقول عند ذلك: يا رب إني قد سئمت الحياة وتبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي. فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم علي محزونة مقتولة فأقول عند ذلك: اللهم إلعن من ظلمها وعاقب من غصبها وخلّد في نارك من ضرب جنبيها حتي القت ولدها، فتقول الملائكة. آمين.
تصد عن البكاء علي أبيها
فتحبس في محاجرها الدموع
وتقتطع الأراكة حين تأوي
لظل غصونها كفٌّ قطيع
ويحرق بيتها بالنار حقداً
ويهتك سترها وهو المنيع
ويكسر ضلعها بالباب عصراً
فيسقط حملها وهو الشفيع
ويدمي صدرها المسمار كسراً
فينبع بين ضلعيها النجيع
وحمرة عينها للحشر تبقي
بها من كف لاطمها تشيع
تنوح فتسمع الشكوي وتدعو
وما في الغابرين لها سميع
كانت هذه الأبيات أعزاءنا من قصيدة لشاعر الولاء المرحوم الشيخ عبد المنعم الفرطوسي ضمن قصيدة رثائية كان مطلع هذا اللقاء أيضاً أبياتٌ مختارة منها.
*******
أما الآن تقديم برنامج أيام خالدة في حلقته الخاصة بذكري رحيل الزهراء المظلومة (عليها السلام) وها نحن نقدم لكم فقرة تحليلة تحت عنوان:
الركن الثاني
روي في المصادر المعتبرة عند الفريقين كأمالي الصدوق ومعاني الأخبار من كتب مدرسة الثقلين، وكتب فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل وحلية الأولياء لأبي نعيم والرسالة للسمعاني والفائق للزمخشري وغيرها من كتب الجمهور أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال قبل رحيله بثلاثة أيام لعلي (عليه السلام): سلام عليك يا أبا الريحانتين، أوصيك بريحانتيّ من الدنيا [يعني الحسنين عليهما السلام]، ثم قال: فعن قليل ينهد ركناك والله خليفتي عليك.
فلما قبض رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال علي (عليه السلام): هذا أحد ركنيّ الذي قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله).
فلما ماتت فاطمة (عليها السلام) قال علي (عليه السلام): هذا الركن الثاني الذي قال رسول الله (صلي الله عليه وآله).
فالصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) هي الركن الثاني لإستمرار الإمامة الإلهية، فبها وبأبيها المصطفي صلي الله عليه وآله قامت هذه الإمامة مستمرة الي يوم القيامة في الإثني عشر وصياً من أئمة العترة المحمدية (عليهم السلام).
ولذلك صبّ عليها، (سلام الله عليها) أعداء الإمامة الحق والعدالة الربانية سهام بغيهم وغدرهم وآذوها بما لا نظير له في تأريخ الأنبياء (عليهم السلام) بل وفي التأريخ الإسلامي عموماً.
ومثلما كان أبوها (صلي الله عليه وآله) سيد الأنبياء الذي لم يؤذ نبيٌ قط مثلما أوذي، كذلك كان حال بضعته الصديقة الشهيدة، فلم تؤذ أي من بنات أنبياء الأمم السابقة عليهم السلام مثلما أوذيت الزهراء (سلام الله عليها).
وقد صورت بضعة نبينا الزهراء (عليها السلام) وهي الصديقة الصادقة هذه الحقيقة في الأشعار التي تخاطب أباها صلي الله عليه وآله قائلة:
صبت عليّ مصائبٌ لو أنها
صبت علي الأيام صرن لياليا
أو في قولها (عليها السلام):
قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثة
لو كنت شاهدها لم يكثر الخطب
أو في قولها:
ضاقت عليّ بلادٌ بعدما رحبت
وسيم سبطاك خسفاً فيه لي نصب
ولشدة الأذي الذي ألحقوه بمولاتنا فاطمة، رحلت (عليها السلام) شهيدة مظلومة وعمرها لم يتجاوز الثمانية عشر عاماً إلا بشهور قليلة. إلتحقت بأبيها سيد المرسلين (صلي الله عليه وآله) بعده بأربعين يوماً أو بخمسةٍ وسبعين أو خمسة وتسعين يوماً علي اكثر التقديرات في الروايات المعتبرة. فكيف يمكن تفسير وفاتها في هذا العمر بغير شدة الأذي الذي ألحقوه بها؟
ولذلك كانت مصيبة فقدها من أعظم المصائب علي أهل الإيمان تتجدد أحزانها في كل عام وهم يتذكرون قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في رثائها:
فراقك أعظم الأشياء عندي
وفقدك فاطم أدهي الثكول
سأبكي حسرة وأنوح شجواً
علي خلٍ مضي أسني سبيل
أو قوله (عليه السلام) فيما رواه الحاكم في مستدركه علي الصحيحين:
نفسي علي زفراتها محبوسة
ياليتها خرجت مع الزفرات
لا خير بعدك في الحياة وإنما
أبكي مخافة أن تطول حياتي
لقد عمد فقهاء ورواة البلاطات الظالمة الي أشكال متعددة من التحريف لإخفاء معالم المظلومية الفاطمية مثل إفتعال روايات مولدها قبل البعثة ليكون عمرها عند وفاتها حسب زعمهم قرابة الثلاثين عاماً، وغير ذلك من التحريفات، ولكن شدة المظلومية الفاطمية كانت أقوي من كل ذلك وبقيت مناراً خالداً يهدي الأجيال الي الدين الحق وأئمة العدالة الإلهية.
هذا الدين الحق الذي صورت لنا معالمة الأصيلة مولاتنا الصديقة الشهيدة في خطبتها الفدكية الشهيرة في المسجد النبوي وخطبتها الثانية عندما زارتها نساء المهاجرين والأنصار في مرضها قبيل رحيلها.
توارت خلف بسمتيّ الدموع
وخلف صداي يختبئ الخشوع
يعمق في جراح القلب نزفاً
بكاء صامت وأسي مروع
الا يا قاصد الزهراء شوقاً
تعطرك المدينة والبقيع
فطاطأ عند مرأي القلب جيداً
ففي أحشائه الطهر الوديع
وقل بنت النبي عليك صبت
رزايا ما تناستها الجموع
وبهذه الأبيات للإستاذ عبود الاحمد نختم لقاؤنا بكم ضمن برنامج أيام خالدة في حلقته الخاصة بذكري وفاة مولاتنا الصديقة الشهيدة صفية الله وحبيبة نبيه عزيزة المرتضي وأم الأوصياء النجباء مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام).
*******