وجاء هذا الإدراج بناءً على مقترح من اللجنة الوطنية الإيرانية لليونسكو، وأُقرّ خلال الدورة الثالثة والأربعين للمؤتمر العام للمنظمة المنعقدة في مدينة سمرقند، بحضور وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا ورئيس اللجنة الوطنية لليونسكو في إيران حسين سيميائي، والأمين العام للجنة حسن فرطوسي.
وأُعلن القرار مساء السبت 1 نوفمبر خلال الجلسة الثانية للجنة العلاقات الخارجية في المؤتمر، على أن تُنظَّم فعاليات ثقافية وعلمية داخل إيران وخارجها للتعريف بإرث الشخصيتين وإبراز تأثيرهما الفكري والروحي.
ووفقاً لقرار المنظمة، سيُحتفى بالذكرى الألف والمئة والخمسين لوفاة بايزيد بسطامي، الملقب بـ«معلم العرفان الإسلامي»، بدعم من أرمينيا وطاجيكستان وتركيا. كما ستُخلّد الذكرى المئوية للنشاط العلمي للعلاّمة الطباطبائي، مع تسليط الضوء على مؤلفه البارز أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، بدعم من أذربيجان والعراق وباكستان.
وساهمت إيران كذلك في تسجيل ثلاث شخصيات ثقافية أخرى ضمن قائمة اليونسكو، هي رابعة البلخي باقتراح مشترك مع طاجيكستان، وآية الله محمد باقر الصدر من العراق، والشاعر التركي باكي. وتشمل القائمة الذكرى الألف والخمسين لميلاد رابعة البلخي (976م)، والذكرى الخمسين لكتاب الأسس المنطقية للاستقراء للصدر (1976م)، والذكرى الخمسمئة لميلاد باكي.
العلامة الطباطبائي ... جسر بين العقلانية والروحانية
أوضح المقترح الإيراني أن العلاّمة الطباطبائي، رغم نشأته في بيئة تقليدية، قد جعل من العقل والاستدلال محوراً رئيسياً في فلسفته، مقدّماً قراءة عميقة ومبتكرة للفكر الإسلامي. ويُعدّ كتابه أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، الذي يضم 14 مقالة، من أبرز محاولات الجمع بين الفلسفة الإسلامية والفكر الغربي الحديث، إذ أسس لجسر حقيقي بين الشرق والغرب وساهم في تعميق الحوار بين الثقافات.
كما أشار المقترح إلى أن حوارات الطباطبائي مع الفيلسوف الفرنسي هنري كوربان مثّلت منعطفاً مهماً في تعريف الفكر الإسلامي في الأوساط الأكاديمية الغربية. ولم يكن الطباطبائي مجرد مفسّر كبير للقرآن الكريم، بل مفكّر عالمي أسّس لثقافة الحوار والعقلانية، وهي قيم لا تزال تحتفظ براهنيتها في الفكر الفلسفي المعاصر.
بايزيد بسطامي ... معلم التسامح والسلام
أما بايزيد بسطامي (أبو يزيد طيفور بن عيسى، نحو 803م – بسطام بمحافظة سمنان)، فقد وُصف في المقترح بأنه أحد أعظم المتصوفة في التاريخ الإسلامي، واشتهر بلقب «سلطان العارفين». كرّس حياته لنشر الأخلاق والسلوك الروحي، وخرّج تلاميذ من مناطق شتى، منها إيران والعراق والهند وتركيا وآسيا الوسطى.
ارتكزت تعاليمه على محبة الإنسان واحترام الطبيعة وقيمة المعرفة، ورأى أن طلب العلم هو أسمى صور العبادة، في انسجام مع مفهوم «التعلّم مدى الحياة» الذي تتبناه اليونسكو اليوم. وقد ألهمت أفكاره كبار المتصوفة مثل عبد الله الأنصاري والعطار النيسابوري وجلال الدين الرومي وسعدي وحافظ.
وتكمن أهمية بسطامي في تأسيسه لمدرسة العرفان الإنساني، ونظرته إلى العلم كطريق للسمو الداخلي وبناء مجتمع قائم على العدالة والسلام. كما تتناغم رؤيته في التوازن بين الإنسان والطبيعة مع مبادئ التنمية المستدامة في عصرنا الحديث.
وباختصار، يُعدّ بايزيد بسطامي رائداً عالمياً سبق زمانه، ولا تزال أفكاره عن الحب والتسامح والتعايش تشكّل مصدر إلهام للإنسانية بعد أكثر من ألف عام على رحيله.