والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم - مستمعينا الافاضل- ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
حول اخلاق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) روى عبيد الله بن أبي رافع عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله) اذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال واذا رأى ما يسره قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وحول استعمال الرسول (صلى الله عليه وآله) للطيب ورد عن انس قوله: كنا نعرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) اذا اقبل بطيب ريحه.
وعن انس ايضاً قال: ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عرض عليه طيب فرده. وانه (صلى الله عليه وآله) كان له سكة يتطيب منها. والسكة: وعاء يوضع فيه الطيب.
*******
مستمعينا الكرام: لقد قلنا في الحلقات الماضية ان أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) كان من معالي اخلاقه انه لأتأخذه في تطبيق مباديء وقوانين الاسلام لومة لائم، ونواصل الحديث في هذا الجانب، فقد روي ان أمرأتين اتتا علياً (عليه السلام) عند القسمة احداهما من العرب والأخرى من الموالي، فأعطى كل واحدة خمسةً وعشرين درهماً وكراً من الطعام.
فقالت العربية: يا أمير المؤمنين اني امرأة من العرب وهذه امرأة من العجم.
فقال علي (عليه السلام): «اني والله لا اجد لبني اسماعيل في هذا الفيء فضلاً علي بني اسحاق».
*******
واعلم - مستمعي الكريم- ان تلك النماذج الخيرة من الرجال الذين عينهم ولاةً وموظفين وان كانوا في مستوىً لائق في الفكر والعمل والقدرة الادارية والقيادية، فان الامام (عليه السلام) قد زودهم بخطط هادية ومناهج راشدة يهتدون بها في حياتهم العملية وفي علاقاتهم مع مختلف قطاعات الأمة التي يباشرون قيادتها.
فهو (عليه السلام) يلزم ولاته بالنصح لعباد الله واشاعة العدل بينهم ومعاملتهم باللين والحب والتجاوز عن كل مظاهر الاستعلاء التي يغري بها المنصب غالباً والحيلولة دون تأثير ذوي النفوذ الاجتماعي في مسيرة العدالة الاسلامية على حساب القطاعات الاجتماعية الأخرى ونحو ذلك من مستلزمات اشاعة العدل واقامة العدل بين الناس.
ومن نافلة القول ان نشير الى ان الامام علياً (عليه السلام) بالرغم من اهتمامه بانتقاء العناصر الأكفاء والورعين فانه كان يحرص على الاحاطة بأساليبهم في معاملة الامة من خلال مراكزهم القيادية باستعانته بجهاز من الرقباء والعيون ليرى مدى طاعة الولاة ومدى تنفيذهم لقواعد العدالة الاسلامية فاذا بدا من احدهم خطأ او تقصير، بادر الامام (عليه السلام) الى تقويم سلوكه بالوسائل التربوية تارة وبالتهديد او بالعزل اذا لزم الامر تارةً اخرى.
روي ان عثمان بن حنيف (رضوان الله تعالى عليه) والي الامام علي (عليه السلام) على البصرة دعاه بعض شخصيات اهل البصرة الى مأدبة - فأخبر الامام بذلك- فخشي (عليه السلام) ان تستميل عثمان تلك الوسائل أو سواها فينحرف عن خط العدالة الاسلامية المرسوم فيميل في احكامه او يجور في قضائه ومعاملته للامة فكتب اليه كتاباً جاء فيه:
اما بعد يا بن حنيف، فقد بلغني ان رجلاً من فتية اهل البصرة دعاك الى مأدبة فأسرعت اليها تستطاب لك الألوان وتنقل اليك الجفان - وهي جمع جفنة ومعناها القصعة- وما ظننت انك تجيب الى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو، فانظر الى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما ايقنت بطيب وجوهه فنل منه.
ويستمر امير المؤمنين (عليه السلام) في رسالته الى واليه على البصرة قائلاً: الا وان لكل مأموم اماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وان امامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، الا وانكم لا تقدرون على ذلك ولكن اعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد.
والسداد: اي الاحتراز من الخطأ.
ويتألق امير المؤمنين (عليه السلام) ايضاً في عدالته واستقامته على الحق- كما هو شأنه دائماً- فيكتب الى مصقلة الشيباني عامله على (أردشير خرة) مهدداً ومتوعداً:
«بلغني عنك امر ان كنت فعلته فقد اسخطت الهك واغضبت امامك، انك تقسم في المسلمين الذي حازته رماحهم وخيولهم، واريقت عليه دماؤهم فيمن اعتامك - اي اختارك- من اعراب قومك، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لئن كان ذلك حقاً لتجدن بك علي هواناً، ولتخفن عندي ميزاناً فلا تستهن بحق ربك ولا تصلح دنياك بمحق دينك فتكون من الأخسرين اعمالاً».
وقبل الوداع - ايها الأعزاء- نسأل الباري وتعالى ان يجعلنا من شيعة محمد وآل محمد قولاً وعملاً وان يرزقنا في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم انه سميع مجيب.
ونتقدم لحضراتكم بالشكر الجزيل على حسن المتابعة وجميل الاصغاء وحتى اللقاء القادم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******