وصلى الله على سيدنا وحبيب قلوبنا محمد الامين وعلى آله الطيبين الميامين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
لقد كان رسول الله(ص) في فضيلة الحلم والعفو عن المسيء نموذجاً رائعاً كسائر اخلاقه ومعاملاته فهو لا يعرف الغضب الا حين تنتهك للحق حرمته، فحينها لا يقوم لغضبه شيء حتى يهدم الباطل ويزهقه، اما سوى ذلك فانه(ص) أنأى الناس عن الغضب فهو احلم انسان عن جاهل لا يعرف ادب الخطاب او مسيء الى الرسول ذاته او منافق يتظاهر بغير ما يبطن ونحو ذلك وحلم رسول الله(ص) وعفوه لا تتكشف عظمتهما الا اذا تذكرنا انه انما يعفو مع القدرة على الارهاب والقتل والعقاب بما يملك من قدرة على ذلك، فهو في وضع يمكنه من ان يقتص من كل مسيء اذ هو رئيس الدولة، وهو المطاع في قومه الى حد لا يوصف ولو امر بقتل أمرئ لتبادر اليه المئات منهم ولكنه(ص) كان حليماً في كل المواقف والاحوال الا موقفاً ينتهك فيه الحق فانما هو القصاص والرد العادل على المعتدي.
قال بن مالك خدمت النبي(ص) عشر سنين لم يقل لشيءٍ فعلت لم فعلت؟ ولا لشيءٍ لم افعله، الا فعلته؟ وعنه ايضاً قال: خدمت رسول الله(ص) سنين فما سبني سبة قط ولا ضربني ضربة ولا انتهرني ولا عبس في وجهي ولا امرني بامر فتوانيت فيه فعاتبني عليه، فان عاتبني عليه احد من أهله قال: (دعوه، فلو قدر شيء كان).
حول الاخلاق الفاضلة التي تجسدت ايضاً في بيت أهل النبوة واتباعهم من المخلصين عرض لنا التأريخ صورة مشرقة عن حياة فاطمة الزهراء(ع) في بيتها وكدحها في ادارته وتدبير شؤونه وتربية ابنائها وتحملها المعاناة والتعب فقد روي: بينما النبي(ص)والناس في المسجد ينتظرون بلالاً ان يأتي فيؤذن اذ اتى بلال فقال له النبي(ص): (ما حبسك يا بلال؟ "أي ما أخرك" فقال: اني اجتزت فاطمة وهي تطحن واضعة ابنها الحسن عندها وهو يبكي فقلت لها: ايما احب اليك ان شئت كفيتك ابنك، وان شئت كفيتك الرحى فقالت: انا ارفق بابني فاخذت الرحى فطحنت فذاك الذي حبسني، فقال النبي(ص): رحمتها رحمك الله).
اجل هذه الصورة العائلية واللقطة الفذة في حياة المجتمع الاسلامي والحياة النبوية الكريمة توضح لنا صور الحياة التعاونية وعلاقة البعض بالبعض الآخر وعظمة التواضع عند قادة الاسلام وعظماء البشرية فقد كان النبي(ص) يساعد فاطمة(ع) ويعينها على طحن طعامها، وعلي(ع) يشاطرها العمل في المنزل وبلال يعرض خدماته عليها فيعينها وينجز بعض اعمالها، انها الصورة المثالية لحياة مجتمع صنعه الاسلام بمبادئه واخلاقه وانها الصيغة التشريعية لحياة العائلة المثالية في الاسلام ولمكانة المرأة وعلاقتها بالزوج والاسرة في هذه الرسالة الالهية الخالدة، فرسول الله(ص) وعلي وفاطمة عليهما السلام مثال الاب والزوج والبنت والزوجة في الاسلام وعلى شاكلة هذه الاسرة يجب ان تبنى الاسرة المسلمة، وبمثل هذه العلاقة يجب ان تشاد العلاقات بين افرادها، فرسول الله(ص)وعلي وفاطمة(ع) قدوة واسوة وكان بامكان النبي ان يتخذ العبيد والخدم لفاطمة وان يوفر لها المال والثروة ومتع الحياة، لكنه القائد والقدوة الداعي الى العدل والمساواة الرافض لمتع الدنيا الزائلة يريد ان يجسد مبادئه سلوكاً وحياة لامته بل يريد من المصلح والمربي والحاكم والقائد ان يعلم ويقود ويربي بسلوكه وسيرته قبل ان يدعو الناس بلسانه ومواعظه.
ونختم البرنامج: مستمعينا الاكارم ـ بما يلي كان الامام الحسين(ع) جالساً في مسجد النبي(ص) فسمع رجلاً ـ من بني امية ـ يحدث اصحابه ويرفع صوته ليسمعه الحسين(ع) وهو يقول: انَّا شاركنا آل ابي طالب في النبوة حتى نلنا منها مثل ما نالوا منها من السبب والنسب، ونلنا من الخلافة ما لم ينالوا فبم يفخرون علينا؟ وكرر هذا القول ثلاثاً .. فاقبل عليه الحسين(ع) فقال له: (اني كففت عن جوابك في قولك الاول حلماً وفي الثاني عفواً واما في الثالث فاني مجيبك، اني سمعت ابي يقول: "ان في الوحي الذي انزله الله على محمد(ص) اذا قامت القيامة الكبرى حشر الله بني امية في صور الذر يطأهم الناس حتى يفرغ من الحساب، ثم يؤتى بهم فيحاسبوا ويصار بهم الى النار". فلم يطق الاموي جواباً وانصرف وهو يتميز من الغيظ).
نعم لقد وضع الامام الحسين(ع) في هذا الموقف الشجاع كل مفردة اخلاقية في موضعها المناسب الحلم والعفو وبيان الحق ببرهان قاطع فجعل الاموي المهزوم طريد المجلس.
وختاماً ايها الاكارم شكراً لكم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******