وصلى الله على سيدنا وحبيب قلوبنا محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
لقد كان من مظاهر سمو سيرة الرسول الاكرم(ص) مع امته وحكمته في التعامل معها انه كان يحدث الناس وفقاً لمستوياتهم العقلية فكانت اساليب عرضه للافكار واجاباته عن الاسئلة تختلف في البعد والمستوى من شخص لآخر طبقاً للقابليات الذهنية التي يتمتع بها الافراد، وان كانت اجاباته واساليب عرضه للقضايا لا تختلف من ناحية المرمى في مخاطبته للاشخاص ولهذا المعنى اشار الرسول(ص) ذاته بقوله: (إنَّا معاشر الانبياء امرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم) ولعظيم حدبه على الناس ومعاملتهم بالرحمة والرفق يشير انس بن مالك في حديث له قال: (كان رسول الله(ص) من اشد الناس لطفاً، والله ما كان يمتنع في غداة باردة من عبد ولا من امة ولا صبي ان يأتيه بالماء فيغسل وجهه وذراعيه، وما سأله سائل قط الا اصغى اليه اذنه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه، وما تناول احد بيده الا ناوله اياها فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه).
نعم هكذا كانت سيرة الرسول الكريم(ص) مع امته، لقد كان فياضاً وحناناً غامراً بالرغم من مركزه القيادي في الامة والمكانة السامية التي لا تناظرها مكانة ابداً. وان حسن سياسته لامته كانت آية واضحة على حقيقة ارتباطه بالله تعالى واستلهامه منه فالواقع الاجتماعي والعقول البشرية يستحيل عليها ان تهتدي بغير هدي السماء الى ذلك اللون من الخلق السامي الكريم. كما ان سياسة المصطفى(ص) تلك كانت من اسرار نجاحه في دعوته فأي عاقل يعامل بمثل ذلك الخلق الرفيع ولا يتألف قلبه؟ ومن الذي يقابل بمثل تلك العاطفة الصادقة والمعاملة المخلصة ولا يتفجر رضاً وتسليماً وقناعة برسالة محمد(ص)؟ (اللهم الا الذين ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).
وعن الحسن البصري قال: (ان الحسين(ع) ذهب ذات يوم مع اصحابه الى بستانه وكان في ذلك البستان غلام الحسين(ع) اسمه صافي، فلم قرب من البستان رأى الغلام قاعداً يأكل الخبز، فجلس الحسين(ع) عند بعض النخل بحيث لا يراه الغلام فنظر اليه الحسين(ع) وهو يرفع الرغيف فيرمي نصفه الى الكلب ويأكل نصفه فتعجب الحسين(ع) من فعل الغلام فلما فرغ من الاكل قال:"الحمد لله رب العالمين اللهم اغفر لي واغفر لسيدي كما باركت لابويه يا ارحم الراحمين".
فقال الحسين(ع) وقال: يا صافي .. فقام الغلام فزعاً وقال: يا سيدي وسيد المؤمنين الى يوم القيامة اني ما رأيتك فاعف عني، فقال الحسين(ع) اجعلني في حلٍ يا صافي لاني دخلت بستانك بغير اذنك).
فقال صافي: بفضلك يا سيدي وكرمك وسؤددك تقول هذا؟
فقال الحسين(ع): اني رأيتك ترمي نصف الرغيف الى الكلب وتأكل نصفه فما معنى ذلك؟
فقال الغلام: ان هذا الكلب نظر اليَّ وانا آكل فاستحييت منه وهو كلبك يحرس بستانك وانا عبدك نأكل رزقك معاً.
فبكى الحسين(ع) وقال: ان كان كذلك فانت عتيق لله تعالى ووهبت لك الفي دينار.
فقال الغلام: ان اعتقتني فانا اريد القيام ببستانك.
فقال الحسين(ع): ان الكريم ينبغي له ان يصدق قوله بالفعل، او ما قلت لك اجعلني في حلٍ فقد دخلت بستانك بغير اذنك فصدقت قولي ووهبت البستان وما فيه لك، فاجعل اصحابي الذين جاؤوا معي اضيافاً واكرمهم من اجلي اكرمك الله تعالى يوم القيامة وبارك لك في حسن خلقك وادبك).
فقال الغلام: ان وهبتني بستانك فاني قد سبلته لاصحابك وشيعتك. (وسبَّله: أي جعله في سبيل الله واباحه للخير).
نعم ماذا دعى الامام(ع) الى هذا السخاء؟ أليس موقفاً قد رآه في عبده وخادمه في بستانه؟ وارتاحت له نفسه الكريمة وهو رعاية عبده شعور الكلب اذ كان يأبى ان يأكل وحده ولا يقدم من اكله شيئاً لذلك الحيوان؟ ... انظر ـ ايها المسلم اللبيب ـ الى اخلاق هذا العبد الصالح والى اخلاق امامه الحسين(ع) في الجود والسخاء وحب الانسان والحيوان. وهذا ما نحتاجه في كل الازمان وخاصة في زماننا هذا اذ اصبح بعض المسلمين لا يرى لاخيه المسلم حرمة ولا قيمة (اجارنا الله تعالى من ذلك).
وختاماً ايها الاحبة الكرام نشكركم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******