وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
اعزائي لقد كان من مصاديق اهتمام الرسول الاكرم(ص) بالامة ومعاملته اياها بالحدب والرفق ما اشارت اليه الروايات الكثيرة منها: عن انس بن مالك قال: كان رسول الله(ص) (اذا فقد الرجل من اخوانه ثلاثة ايام سأل عنه، فان كان غائباً دعا له وان كان شاهداً زاره وان كان مريضاً عاده). وعن زيد بن ثابت قال: ان النبي(ص) كنا اذا جلسنا اليه ان اخذنا بحديث في ذكر الآخرة اخذ معنا، وان اخذنا في ذكر الدنيا اخذ معنا، وان اخذنا في ذكر الطعام والشراب اخذ معنا. وفي أدبه مع قومه كذلك ما أشار اليه امير المؤمنين علي(ع)بقوله: (ما صافح رسول الله(ص) احداً قط، فنزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده. وما فاوضه احد قط في حاجة او حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف وما نازعه احد الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت وما رؤيَ مقماً رجله بين يدي جليس له قط). وكان من مصاديق رفق الرسول(ص) بالامة ومعاملته لها بالحسنى ما رواه يونس الشيباني قال:
(قال ابو عبد الله الصادق(ع): كيف مداعبة بعضكم لبعض؟
قلت: قليل قال(ع): افلا تفعلوا: فان المداعبة من حسن الخلق، وانك لتدخل بها السرور على اخيك، ولقد كان رسول الله(ص)يداعب الرجل يريد ان يسره.
وعن امير علي(ع) قال: كان رسول الله(ص) ليسر الرجل من اصحابه اذا رآه مغموماً بالمداعبة).
ولقد سبق وان اكدنا ان امير المؤمنين علياً(ع) تعامل مع الخلافة بحسب ما تحكم به المصلحة الاسلامية حفظاً للاسلام وحماية للجماعة الاسلامية من التمزق والضياع وتحقيقاً للمصالح الاسلامية العليا التي جاهد من اجلها ولذا كان من اخلاقه السامية(ع)(مساعدة الخلفاء الثلاثة اذ كانوا يستشيرونه اذا التبست عليهم الامور وهكذا تجده مرة مرشداً الى الحكم الاسلامي الصحيح في امر ما ومرة تجده قاضياً في شأن من شؤون الامة واخرى موجهاً للحاكم الوجهة التي تحقق المصلحة الاسلامية العليا.
وبمقدورنا ان نلمس دوره الرسالي ذلك اذا عرضنا بعض مفردات منهجه المتبنى ايام الخلفاء الذين سبقوه: فحين اراد عمر بن الخطاب ان يغزو الروم راجع الامام(ع) في الامر فنصحه الامام بالا يقود الجيش بنفسه مبيناً علة ذلك قائلاً: فابعث اليهم رجلاً مجرباً واحفز معه أهل البلاء والنصيحة فان اظهره الله فذاك ما تحب، وان تكن الاخرى كنت ردءاً للناس، ومثابة للمسلمين).
وقد ورد ان عمر بن الخطاب رأى ليلة رجلاً وامرأة على فاحشة فلما اصبح قال للناس: ارأيتم ان اماماً رأى رجلاً وامرأة على فاحشة فأقام عليهما الحد ما كنتم فاعلين؟
قالوا: انما انت امام.
فقال علي(ع): (ليس ذلك لك، اذن يقام عليك الحد، ان الله لم يأمن على هذا الامر اقل من اربعة شهداء). ثم ان عمر ترك الناس ما شاء الله، ثم سألهم فقال القوم مثل مقالتهم الاولى، وقال علي(ع) مثل مقالته، فأخذ عمر بقول الامام.
وبعد ان فتح المسلمون الشام جمع ابوعبيدة بن الجراح المسلمين واستشارهم بالمسير الى بيت المقدس او الى قيسارية فاشار عليه معاذ بن جبل ان يكتب بذلك الى الخليفة عمر بن الخطاب وقال له: فحيث امرك فامتثله فكتب ابن الجراح الى عمر بالامر، فلما قرأ الكتاب استشار المسلمين بالامر، فقال علي(ع): (مر صاحبك ينزل بجيوش المسلمين الى بيت المقدس فاذا فتح الله بيت المقدس صرف وجهه الى قيسارية فانها تفتح بعدها ان شاء الله تعالى، كذا اخبرنا رسول الله(ص)، فقال عمر: صدق المصطفى(ص) وصدقت انت يا ابا الحسن ثم كتب الى ابي عبيدة بالذي اشار به علي(ع)).
ولقد كانت تلك امثلة يسيرة مما كان ينهض به الامام علي(ع) من مسؤوليات عظيمة في عهد الخلفاء الذين سبقوه وكان دافعه في ذلك الاخلاص لرسالة الاسلام الخالدة وحفظ الوحدة الاسلامية وحماية المسيرة الاسلامية من الانحراف. ولقد تنبه الخليفة الثاني الى اهمية الدور الذي قام به الامام علي(ع) في هذا المضمار فصرح مراراً مشيداً بذلك الفضل ومنوهاً باهميته في مسيرة الخلافة كقوله: (اعوذ بالله ان اعيش في قوم لست فيهم يا ابا الحسن .. وقوله: اعوذ بالله من معضلة لا علي لها .. وقوله: كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن ابي طالب(ع)).
وفي الختام نسأله تعالى ان يجعلنا من السائرين على نهج محمد وآل محمد الاخيار الابرار انه سميع مجيب.
*******