وصلى الله على سيد الخلق محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
روي ان الامام الحسين(ع) سأل اباه الامام علي(ع) عن مجلس رسول الله(ص) فقال(ع): (كان رسول الله(ص) لا يجلس ولا يقوم الا على ذكر الله جل اسمه ولا يوطن الاماكن وينهي عن ايطانها "أي لا يتخذ لنفسه مجلساً يتميز به" واذا انتهى الى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كلاً من جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه ان احداً اكرم عليه منه، من جالسه او قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ومن سأله حاجة لم يرده الا بها او بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فكان لهم اباً وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسه(ص) مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة ولا ترفع فيه الاصوات، لا يوهن فيه الحرم ولا تنثني فلتاته "أي لا تظهر هفواته" متعادلون متفاضلون فيه بالتقوى، متواضعون، يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب).
ولقد كان من اخلاق الامام الهادي(ع) الصبر على محن الدنيا وبلائها، فقد صب عليه طاغية بني العباس المتوكل جام غضبه وجرعه الواناً قاسية من التنكيل والاضطهاد فقد اجبره على مغادرة المدينة والاقامة الجبرية في سامراء واحاطه بقوى الامن تحصي عليه انفاسه كما فرض عليه الحصار الاقتصادي، ومنع من ايصال الحقوق الشرعية اليه لكي يصرفها فيما يرضي الله وينعش مستضعفي عباده، كما منع العلماء والفقهاء من الاستفادة من فيض علومه، وقد اعتقله عدة مرات وزجه في سجونه وكان يتهدده ويتوعده بالقتل ويقول: والله لاحرقن جسده بالنار بعد القتل، وكان يجلبه معتقلاً الى قصوره مستهيناً به، وسلك جميع الوسائل للحط من شأن الامام والتنكيل به والامام(ع) صابر ممتحن كاشد ما يكون الامتحان.
نعم لقد كانت نتيجة الصبر والاستقامة بمشيئة الله تعالى ان بقي الائمة الابرار(ع) على مر الازمان مشعل هداية لكل الاحرار السائرين على طريق الحق والعدل، وذهب الطغاة الى مزابل التاريخ تلاحقهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين الى يوم الدين.
وهذه عودة مباركة الى امير المؤمنين علي(ع) حيث لم يحظ رجل في الاسلام ـ بعد رسول الله(ص) ـ بما حظي به علي(ع) من ثناء وتكريم من قبل الرسالة الاسلامية وحثها المتزايد على تقديره وانتهاج سبيله حتى قال احمد بن حنبل: ما ورد لاحد من اصحاب رسول الله(ص) من الفضائل ما ورد لعلي رضي الله عنه. وقد انطوى القرآن الكريم والسنة الشريفة والتاريخ الصحيح على نصوص وروايات تنطق كلها بالثناء على الامام علي ووجوب سلوك سبيله وخطه وهو الذي نزلت في حقه في القرآن الكريم ثلاثمئة آية، اخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: نزلت في علي ثلاثمئة آية. فمرة تأتي صور الثناء او سمة يضعها الاسلام على صدره فيميزه عن سواه من صحابة واتباع، ومرة على شكل احكام واوامر تلزم المسلمين على التزام علي(ع) اماماً ومنهجاً وخطاً.
لقد كان من اخلاق الامام علي(ع) مد يد العون والمشورة لكل من يطلبها وبالخصوص الخلفاء الثلاثة، فلقد تعامل(ع) مع مسألة الخلافة بحسب ما تحكم به المصلحة الاسلامية حفظاً للاسلام وحماية للجماعة الاسلامية من التمزق والضياع وتحقيقاً للمصالح الاسلامية العليا التي جاهد من اجلها. ذكر الرواة ان ابا بكر فكر بغزو الروم فاستشار جماعة من الصحابة فقدموا وأخَّروا ولم يقطعوا برأي فاستشار علياً(ع) في الامر فقال(ع): ان فعلت ظفرت، فقال ابو بكر بشرت بخير. وامر ابو بكر الناس بالخروج بعد ان امر عليهم خالد بن سعيد.
وفي رواية اخرى: اراد ابو بكر ان يقيم الحد على شارب خمر فقال الرجل: اني شربتها ولا علم لي بتحريمها فارسل الى الامام يسأله عن ذلك فقال(ع) مر نقيبين من رجال المسلمين يطوفان به على المهاجرين والانصار وينشدانهم هل فيهم احد تلا عليه آية التحريم او اخبره بذلك عن رسول الله(ص) فان شهد بذلك فاستتبه وخلَّ سبيله ففعل الخليفة ذلك فعلم صدق الرجل فخلى سبيله.
وروي ان ابا عبيدة بن الجراح بعث الى عمر بن الخطاب ان الناس قد تتابعوا في شرب الخمر بالشام وقد ضربت اربعين "أي اربعين جلدة" ولا اراها تغني عنهم شيئاً فاستشار عمر الناس .. فقال الامام علي(ع): ارى ان تجعلها بمنزلة حد الفرية "أي ثمانون جلدة" ان الرجل اذا شرب هذى واذا هذى افترى، فجلده عمر بالمدينة، أي عمل بفتوى الامام(ع) وكتب الى ابي عبيدة فجلده بالشام.
وفي الختام نشكركم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نرجو لكم كل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******