وصلى الله على صاحب الخلق العظيم محمد النبي المختار وعلى آله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
حول علاقة رسول الله(ص) بالامة قال الأمام الحسين(ع): سألت ابي عن دخول النبي(ص) فقال: كان دخوله لنفسه مأذوناً له في ذلك، وكان اذا اوى الى منزله جزَّأَ دخوله ثلاثة اجزاء جزءاً لله عز وجل، وجزءاً لأهله، وجزءاً لنفسه، ثم جزءَ جزءه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة والخاصة ولا يدَّخر عنهم منه شيئاً، وكان من سيرته في جزء الامة، ايثار أهل الفضل باذن، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما اصلحهم واصلح الامة من مسالته عنهم، واخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول ليبلغ الشاهد الغائب، وابلغوني في حاجة من لا يستطيع على ابلاغ حاجته.
ويمضي الأمام الحسين(ع) قائلاً: فسألته أي سأل اباه الامام علي(ع) عن مخرج رسول الله(ص) كيف كان يصنع فيه: فقال(ع): (كان رسول الله(ص) يخزن لسانه الا فيما يعنيه، ويؤلفهم ولا يفرقهم ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس الفتن، ويحترس منهم من غير ان يطوي عن احد بشره ولا خلقه ويتفقد اصحابه ويسأل الناس عما في الناس فيحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الامر غير مختلف، لا يغفل مخافة ان يغفلوا او يملوا لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه الذين يلونه من الناس خيارهم، افضلهم عنده اعمهم نصيحة واعظمهم عنده منزلة احسنهم مواساة ومؤازرة).
ولقد عرف الامام علي بن محمد الهادي(ع) بالزهد والتجرد عن مباهج الحياة الدنيا فعاش عيشة الفقراء وقد كان منزله في المدينة المنورة وفي سامراء خالياً من كل أثاث، وقد داهمت شرطة الطاغية المتوكل العباسي منزله مراراً فلم تجد فيه شيئاً من رغائب الحياة، وقد داهموا منزله في سامراء فوجدوا الامام(ع) في بيت مغلق وعليه مدرعة "الثوب" من شعر وهو جالس على الرمل والحصى ليس بينه وبين الارض فراش.
ويقول سبط ابن الجوزي: (ان علياً الهادي لم يكن عنده ميل الى الدنيا وكان ملازماً للمسجد، فلما فتشوا داره لم يجدوا فيه الا مصاحف وادعية وكتب علم).
نعم لقد عاش الامام الهادي(ع) على ضوء الحياة التي عاشها اجداده الطاهرين(ع) مكتفياً من الطعام ما يسد رمقه ومن اللباس ما يستر بدنه مواسياً بذلك اضعف الناس في الجوانب المادية.
كان الامام ابو محمد الحسن العسكري(ع) على جانب عظيم من سمو الاخلاق، فكان يقابل الصديق والعدو ببسمات فياضة بالبشر، وقد ورث هذه الظاهرة من جده الرسول(ص) الذي وسع الناس بمكارم اخلاقه، حتى انقلب اعداؤه من البغض والكراهية له الى الحب والمودة له وقد سلك هذا الخط حفيده ووصيه الامام ابو محمد(ع) فقد نقل الرواة انه حبس عند احد اعضاء السلطة العباسية وكان شديد الكراهية والبغض للامام، وقد اوعز اليه الطاغية العباسي بالتنكيل بالامام والتشديد عليه الا انه لما اتصل بالامام وشاهد سمو اخلاقه وعظيم هديه وايمانه انقلب راساً على عقب فكان لا يرفع بصره اليه اجلالاً وتعظيماً وتكريماً له، ولما خرج الامام(ع) من السجن كان ذلك الرجل من احسن الناس بصيرة واحسنهم قولاً في الامام(ع). واما بالنسبة لعبادة الامام العسكري(ع) فقد روي انه اذا اقبل على صلاته ترتعد فرائضه ويصفر لونه ويتجه بقلب سليم نحو الله تعالى خالق الاكوان وواهب الحياة، فلم ير الناس مثله في خشوعه وخضوعه لله تعالى في اثناء صلاته التي هي من اعظم العبادات شأناً.
وان من معالي اخلاق الامام المهدي المنتظر "عجل الله تعالى فرجه الشريف" الصبر على الكوارث والمحن والخطوب، فهو من اعظم الائمة(ع) محنة واشدهم بلاءاً، فهو(ع) يرى في هذه الفترة الطويلة من حياته الاحداث الجسام التي داهمت العالم الاسلامي ومزقت اشلاءه، ووقعت الامة بجميع شرائحها صريعة بايدي المستكبرين والكافرين والمنافقين فاشاعوا فيها الباطل والاثم وعطلوا احكام الله تعالى وحدوده ونهبوا ثرواتها وتحكموا في قضاياها المصيرية، وجميع هذه الاحداث الرهيبة والمناظر المفزعة بمرأى من الامام(ع) ومسمع، ومن المؤكد ان الحزن قد نخب قلبه الشريف، واذاقه آلاماً مرهقة، فانه (سلام الله عليه) بحكم قيادته الروحية والزمنية لهذه الامة مسؤول عن رعايتها والاهتمام بجميع شؤونها، الا انه خلد الى الصبر وتجرع الغصص والآلام، وفوَّض جميع ذلك الى الله تعالى ينتظر منه الاذن للقيام باصلاح العالم الذي اسدته السياسات الظالمة التي لا نصيب لها من الرحمة بشؤون الناس.
وختاماً: ايها الاعزاء نشكركم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******