وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
لقد كان من معالي اخلاق الامام الحسين(ع) الجدال بالتي هي احسن، حيث روي ان ابن عباس بينما كان يحدث الناس قام اليه نافع بن الازرق فقال له: ابن عباس تفتي الناس في النملة والقملة؟! صف لي الهك الذي تعبده، فاطرق ابن عباس اعظاماً لقوله ـ أي لهذا السؤال العظيم في حضور الحسين بن علي(ع) ـ فقال له الحسين(ع): (الي يا بن الازرق، فقال ابن الازرق ـ وكان مبغضاً لاهل البيت(ع) ـ لست اياك أسأل فقال ابن عباس: يا ابن الازرق انه من اهل بيت النبوة وهم ورثة العلم فاقبل نافع نحو الحسين(ع) فقال له الحسين(ع): يا نافع ان من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الالتباس، سائلاً ناكباً عن المنهاج، ظاعناً بالاعوجاج ضالاً عن السبيل قائلاً غير الجميل، يا ابن الازرق اصف الهي بما وصف به نفسه، واعرفه بما عرف به نفسه، لايدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب غير ملتصق، وبعيد غير منتقص، يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات موصوف بالعلامات، لا اله الا هو الكبير المتعال. فبكى ابن الازرق وقال: يا الأمام الحسين(ع) ما احسن كلامك؟!
قال له الحسين(ع): (بلغني انك تشهد على ابي وعلى اخي بالكفر وعليَّ)؟
قال ابن الازرق: اما والله يا الأمام الحسين(ع) لئن كان ذلك لقد كنتم منار الاسلام ونجوم الاحكام.
فقال له الحسين(ع): اني سائلك عن مسألة .. قال أسألك فسأله عن هذه الآية: «واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة»(الكهف، 81). يا بن الازرق من حفظ في الغلامين؟
قال ابن الازرق: ابوهما؟
قال الحسين(ع): فأبوهما خير ام رسول الله(ص)؟
قال ابن الازرق: قد انبأنا الله تعالى انكم قوم خصمون. في هذا الموقف نجد صفة الحلم الحسيني لما اهانه الرجل بقوله: لست اياك أسأل. ثم نجد البلاغة التوحيدية للامام(ع) حيث انبهر بها الرجل وقال: ما احسن كلامك. ثم نجد معالجة الحسين(ع) لاشكالية عقائدية في ذهن الرجل حول موقفه العدائي من اهل البيت(ع) حيث خاصمه الامام(ع) بآية قرآنية فلم يترك له مجالاً لرد هذا الدليل فاكتفى بالقول: انكم قوم خصمون، وهذا اما يقصد منه الخصومة بمعنى انهم ذوو ادلة دامغة لمن يخاصمهم ويناقشهم في أي شيء، واما يقصد انهم قوم لا يسكتون عن الجدال والخصومة مع مخالفيهم، ومهما كان قصد الرجل فان الحسين(ع) قد سجل عدة نقاط اخلاقية وعقائدية، نعم هكذا يجادل الامام(ع) بالتي هي احسن لتبقى الاخلاق القرآنية هي العالية علو الحق المنتصر دوماً، اللهم انا نشكرك على نعمة الولاية لأهل الحق، اهل البيت، اهل الفضيلة التوحيدية.
من الاخلاق الاجتماعية في الاسلام مواساة المؤمنين والمستضعفين عند البلاء والمصائب لبعث روح الحب والتوكل والاستقامة فيهم والتخفيف من معاناتهم النفسية وهذه الخدمة ترفع من درجة التماسك والمحبة بين افراد المجتمع وتسهل في تحقيق الاهداف الكبيرة وسيادة الاخلاق الحميدة. ذكر المؤرخون انه لما نفي ابو ذر الغفاري ذلك الصحافي الجليل(رض) الى الربذة بامر من عثمان حيث منع الناس ان يودعوه ويشيعوه ايضاً، خرج الامام علي وولداه الحسن والحسين(ع) الى ابي ذر وودعوه وشيعوه اساطاً للمنع الظالم واعلاناً للتضامن مع المظلوم وقالوا له كلمات كانت من بينهن كلمة الامام الحسين(ع) الكاشفة عن اخلاقه وادبه وحسه الانساني الرفيع حيث قال: (يا عماه ان الله قادر ان يغير ما قدر ترى، وله كل يوم، هو في شأن، وقد منعك القوم دنياهم، ومنعتهم دينك فما اغناك عما منعوك، واحوجهم الى ما منعتهم، فأسأل الصبر الظفر، واستعذ به من الجشع والجزع فان الصبر من الدين والكرم، وان الجشع لا يقدم رزقاً ولا يؤخر اجلاً).
وفي رواية اخرى عن ابي عبد الله الصادق(ع) قال: (لما شيع امير المؤمنين(ع) ابا ذر وشيعه الحسن والحسين(ع) وعقيل بن ابي طالب وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر(رض) قال لهم امير المؤمنين(ع): ودعوا اخاكم فانه لابد للشاخص من ان يمضي وللمشيع من ان يرجع).
قال: فتلكم كل رجل منهم على حياله فقال الحسين(ع): رحمك الله يا ابا ذر، ان القوم انما امتهنوك بالبلاء لانك منعتهم دينك فمنعوك دنياهم، فما احوجك غداً الى ما منعتهم، واغناك عما منعوك.
فقال ابو ذر(رض): رحمكم الله من اهل بيت فما لي في الدنيا من شجن غيركم، اني اذا ذكرتكم ذكرت رسول الله(ص).
اجل عبارات هي بلسم شاف لجراحات ابي ذر، قومته، وشدت عزيمته وصبرته، وقوت شكيمته، فواصل جهاده بالكلمة الحقة العادلة، وهو لاتأخذه في الله لومة لائم .. حتى توفي وفياً للاسلام ناصحاً مخلصاً للمسلمين، فسلام من رب العالمين على رسوله الامين واهل بيته الطاهرين وعلى اتباعه المخلصين «رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً».
وفي الختام ايها الاعزاء شكراً لكم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الرؤوف الرحيم والسلام عليكم روحمة الله وبركاته.
*******