والصلاة والسلام على حبيب إله العالمين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
سبق وان قلنا ان للامام الحسين(ع) اخلاقاً عظيمة قد ورثها من جده العظيم محمد(ص) الذي خاطبه الباري تعالى في القرآن المجيد قائلاً: «وانك لعلى خلق عظيم» ونحن مهما نطالع في مواقفه الاخلاقية(ع) لم نحيط بكل زواياها، ومن ذلك ما ذكره المرحوم المحدث القمي اذ قال: رأيت في بعض الكتب الاخلاقية ما هذا لفظه .. قال عصار بن المصطلق: دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي(ع) فاعجبني سمته ورواؤه وأثار من الحسد ما كان يخفيه صدري لابيه من البغض، فقلت له: انت ابن ابي تراب؟ فقال(ع): نعم .. فبالغت في شتمه وشتم ابيه، فنظر اليَّ نظرة عاطف رؤوف ثم قال: «اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ... خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين / وامّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم / ان الذين اتقوا اذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون / واخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثم لا يقصرون» ... ويستمر عصار بن المصطلق في روايته قائلاً:
ثم قال(ع) لي: (خفض عليك، استغفر الله لي ولك انك لو استعنتنا لاعنَّاك، ولو استرفدتنا لرفدناك، ولو استرشدتنا لارشدناك).
قال عصار: فتوسم مني الندم على ما فرط مني.
فقال(ع): «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين» (يوسف، 92).
ثم اضاف يسأل: امن اهل الشام انت؟
قلت: نعم.
فقال(ع): شنشنة اعرفها من اخزم، حيانا الله واياك انبسط الينا في حوائجك وما يعرض لك تجدني عند افضل ظنك ان شاء الله تعالى.
قال عصار: فضاقت عليَّ الارض بما رحبت، وودت لو ساخت بي، ثم سللت منه لواذاً وما على الارض احب اليَّ منه ومن ابيه.
نعم هذا هو الاسلوب الامثل مع العدو الذي يجهل مقام الحق واهله، وكم ينبغي سكب دموع الاسف على البعض من الناس الذين ضيعوا هذا الاسلوب الحسيني حتى مع اقرب الاصدقاء حين اختلفوا معهم في مسائل جزئية، وما اجمل ما قاله الحسين(ع)بهذه المناسبة فيما رواه ابنه السجاد(ع) قال: سمعت الحسين(ع) يقول: لو شتمني رجل في هذه الاذن واومئ الى اليمنى واعتذر لي في الاخرى لقبلت ذلك منه وذلك ان امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) حدثني انه سمع جدي رسول الله(ص) يقول: (لا يرد الحوض من لم يقبل العذر من محق او مبطل).
وان يكون الانسان عالماً ويحسن اسلوب الاجابة عن اسئلة السائلين، فهذا امر اخلاقي مهم، ونقرؤه في الموقف الحسيني التالي؟
عن سعيد بن المسيب قال: سمعت علي بن الحسين(ع) يقول: ان رجلاً جاء الى امير المؤمنين(ع) فقال: اخبرني ان كنت عالماً عن الناس، وعن اشباه الناس وعن النسناس؟
فقال امير المؤمنين(ع): يا الأمام الحسين(ع) اجب الرجل.
فقال الحسين(ع): اما قولك اخبرني عن الناس، فنحن الناس، ولذلك قال الله تعالى في كتابه: «ثم افيضوا من حيث افاض الناس»(البقرة، 199). فرسول الله(ص) الذي افاض بالناس، واما قولك اشباه الناس فهم شيعتنا وهم موالينا، وهم منا ولذلك قال ابراهيم(ع): «فمن تبعني فانه مني» (ابراهيم، 36). واما قولك النسناس، فهم السواد الاعظم واشار بيده ثم قال: ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلاً.
ونختم البرنامج بهذه الرواية المعبرة: اعطى رجل للامام الحسين(ع) قطعة ـ أي ورقة مكتوب فيها حاجته ـ فقال له الامام(ع): حاجتك مقضية قبل قراءتها.
فقيل له: هلا رأيت ما فيها؟
فقال(ع): يسألني الله عند وقوفه بين يدي حتى اقرأها، وفي رواية اخرى: قيل له يا بن رسول الله، لو نظرت في رقعته ـ أي الورقة ـ ثم رددت الجواب على قدر ذلك؟
فقال(ع): يسألني الله تعالى عن ذل مقامه بين يدي حتى اقرأ رقعته.
وختاماً ايها الاحبة الكرام نشكركم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******