والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين محمد الصادق الامين وآله الابرار الميامين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
عن الامام الصادق عن ابيه عن جده )عليهم السلام) قال: جاء أهل الكوفة الى امير المؤمنين علي(ع) فشكوا اليه امساك المطر، وقالوا له: استسق لنا فقال للحسين(ع): قم واستسق، فقام وحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي وقال: (اللهم معطي الخيرات، ومنزل البركات ارسل السماء علينا مدراراً، واسقنا غيثاً مغزاراً واسعاً غدقاً مجللاً سحَّاً ـ أي غير منقطع ـ سفوحاً ـ أي انصبَّ صبَّاً ـ فجاجاً ـ أي الذي يشق الارض ـ تُنَفِّسُ به الضعيف من عبادك، وتحيي به الميت من بلادك آمين ربَّ العالمين) فما فرغ الحسين(ع)من دعائه حتى غاث الله تعالى غيثاً غزيراً، واقبل اعرابي من بعض نواحي الكوفة فقال: تركت الاودية والآكام ـ التلول ـ يموج بعضها في بعض.
اظنك ـ ايها المستمع الكريم ـ قد وقعت على بيت القصيد في هذه القصة المعبرة الجميلة، فقد انزل الله تعالى ماءاً لعطاشى اهل الكوفة بدعاء الحسين(ع)، ولا ندري بأي ميزان اخلاقي وزنوا موقفهم بعد سنين قليلة حينما منعوا الحسين واطفاله والنساء والرجال الذين معه في كربلاء وفي تلك الحرارة الحارقة عن قطرة ماء، فقتلوهم عطاشا وصدق من قال:
ملكنا وكان العفو منَّا سجية
ولما ملكتم سال بالدم ابطح ـ مسيل واسع ـ
وحسبكم هذا التفاوت بيننا
وكلُّ اناءٍ بالذي فيه ينضحُ
روي في ايام طفولة السيدة زينب بنت امير المؤمنين(ع) انها كانت نائمة في حجرة نومة القيلولة ـ وهي ساعة قبل الظهيرة ـ فدخل اخوها الامام الحسين(ع) الحجرة فرأى حرارة الشمس ساطعة على وجه اخته زينب(ع) من خلال نافذة الحجرة، فلم يطق الحسين(ع) حتى جعل ردائه امام نور الشمس وعلى قولٍ وقف بنفسه حائلاً لئلاَّ تؤذي حرارة الشمس اخته عقيلة بني هاشم، واحست زينب بتغير الحالة ففتحت عينيها ولمَّا رأت شفقة اخيها وعطفه وحنانه شكرته، وآلت على نفسها ان تردَّ هذا الجميل على اخيها يوماً، وبالفعل جاء ذلك اليوم العظيم وهو يوم عاشوراء الذي تجسدت فيه اسمى آيات البطولة والتضحية والايثار والصبر والحق في جانب الحسين(ع) وأهل بيته واصحابه(ع) وأمَّا الجانب الآخر فقد برزت فيه كل صفات الباطل من خسة ونذالة وجور.
روي ان الامام الحسن(ع) لما دنت وفاته ونفدت ايامه وجرى السم في بدنه تغير لونه واخضر فقال له الحسين(ع): مالي ارى لونك مائلاً الى الخضرة؟ فبكى الحسن(ع) وقال: (يا اخي لقد صح حديث جدي فيَّ وفيك) ثم اعتنقه طويلاً وبكيا كثيراً فسأله الحسين(ع) عن ذلك؟
فقال: اخبرني جدي قال: (لما دخلت ليلة المعراج روضات الجنان ومررت على منازل اهل الايمان، رأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة ـ والكلام ما زال للرسول(ص) ـ الا ان احدهما من الزبرجد الاخضر والآخر من الياقوت الاحمر فقلت: يا جبرئيل لمن هذان القصران؟
فقال: احدهما للحسن والآخر للحسين، فقلت: يا جبرئيل فلم لم يكونا على لون واحد؟ فسكت ولم يرد جواباً فقلت لم لا تتكلم؟
قال: حياءاً منك، فقلت له: سألتك بالله الا ما اخبرتني، فقال: امَّا خضرة قصر الحسن فانه يموت بالسم، ويخضر لونه عند موته، وامَّا حمرة قصر الحسين فانه يقتل ويحمرُّ وجهه بالدم) وعند ذلك بكيا وضجَّ الحاضرون بالبكاء والنحيب.
ويحظى الفقير السائل عند الحسين(ع) بقضاء حاجته مع حفظ ماء الوجه "وهذا ما ينبغي لذوي العطاء والكرم الالتزام به حين يكرمون الفقراء". روي ان الحسين(ع) امر ذات يوم خازن امواله ان يعطي السائل الذي اتى اليه الفاً فأخذ السائل ينقدها "أي يعدها" فقال الخازن بعتنا شيئاً؟ قال السائل ماء وجهي!
فقال الامام الحسين(ع): (صدق، اعطه الفاً والفاً والفاً، الألف الاول لسؤالك، والالف الثاني لماء وجهك، والالف الثالث لانك اتيتنا).
وهنا نتأمل ـ اخي المستمع ـ في حديث الرسول(ص) اذ يقول: «ما جعل الله اولياءه الا على السخاء وحسن الخلق».
وفي الختام ايها الكرام نشكركم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******