والصلاة السلام على سيدنا محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
من العبادات الاسلامية ذات الاثر الايجابي في حياة الامة الاسلامية الصدقات والزكاة بمختلف انواعها فهي الى جانب كونها ذات رصيد كبير في تحقيق التكافل الاجتماعي بين افراد المجتمع بما يترتب على ذلك من شيوع روح التآخي والود والالفة والشعور بالمسؤولية ازاء الآخرين فانها ذات مردود عظيم على المنفق ذاته وهو مردود التقرب الى الله تبارك وتعالى والشعور بلذة طاعته والاستجابة لاوامره والتحرر من امر الحرص على الماديات ولقد حث القرآن الكريم المؤمنين على اداء الصدقة بعبارات تشرح الصدور الكريمة، قال تعالى: «مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم» (البقرة، 261).
ومن وصية لرسول الله(ص) لعلي(ع) جاء فيها: (واما الصدقة فجهدك جهدك حتى يقال، قد اسرفت ولم تسرف) وقال(ص): تصدقوا ولو بتمرة، فانها تسد من الجائع وتطفي الخطيئة كما يطفي الماء النار. ومن اجل ذلك كان الرسول الكريم(ص) سباقاً الى هذا اللون من العبادة كما هو في سواها من الطاعات والمبررات ووسائل التقرب الى العلي القدير.
لقد كان من اخلاق الامام زين العابدين(ع) الزهد في الدنيا وعدم التاثر بزينتها ومباهجها، وحاشاه ان تخدعه الدنيا بغرورها او ان يستجيب لرغباتها، وقد اجمع المترجمون له(ع) انه كان ازهد الناس في عصره وقد سئل الزهري عن ازهد الناس فقال: علي بن الحسين، وقد رأى الامام زين العابدين(ع) سائلاً يبكي على دنياه فتاثر منه وقال: (لو ان الدنيا كانت في كف هذا ثم سقطت منه لما كان ينبغي له ان يبكي عليها).
اجل ان زهد الامام(ع) كان قائماً على التقوى والورع عن محارم الله تعالى، والاحتياط الشديد في امور الدين كآبائه الكرام(ع) وهم المطهرون من جميع النزعات المادية المعلقة ارواحهم بعز قدس الحق تعالى.
لقد كان من الصفات البارزة في اخلاق الامام ابي محمد الحسن العسكري(ع) سعة الحلم وكظم الغيظ والعفو عن المسيء وقد عمدت الحكومات العباسية الجائرة الى اعتقاله وزجه في سجونها كما صنعت بأبيه الهادي(ع) من قبل وهو صابر محتسب لم يشكو الى احد سوى الله تعالى.
وتميز ايضاً(ع) بارادته الصلبة وعزمه الجبار شأنه شأن جده الرسول(ص) الذي قاوم الالحاد والشرك وصمد امام طغاة قريش وقال كلمته الخالدة: (والله لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بيساري على ان اترك هذا الامر ما تركته حتى اموت او يظهره الله تعالى)، وكذلك وقف حفيده امام المد الجاهلي في حكومة العباسيين فقد بقي صامداً ينكر عليهم سياستهم الخبيثة التي تفجرت بكل ما خالف الله ورسوله، وقد جهد العباسيون ان يضموه الى جهازهم ويغروه بالاموال الطائلة والمناصب الرفيعة لكنه(ع) اصر على موقفه الراسخ في انكار مخططاتهم الرامية الى اشاعة المنكر والفساد وانفاق ثروات الامة على شهواتهم ولياليهم الحمراء، حتى اعتبره العباسيون الممثل الوحيد لقوى المعارضة لسياستهم الشيطانية القائمة على الظلم والطغيان.
ومسك الختام ان نذكر قبساً من سيرة امير المؤمنين علي(ع) بين الناس فقد خاطبه عاصم بن زياد بقول: (يا امير المؤمنين هذا انت في خشونة ملبسك وجشونة مأكلك).
فأجابه علي(ع): (ويحكم اني لست كأنت، ان الله تعالى فرض على ائمة العدل ان يقدروا انفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيع بالفقير فقره).
وعن سويد بن غفلة قال: دخلت على علي(ع) يوماً وليس في داره سوى حصير رث وهو جالس عليه، فقلت: يا أمير المؤمنين انت ملك المسلمين والحاكم عليهم وعلى بيت المال وتأتيك الوفود وليس في بيتك سوى هذا الحصير؟
فقال(ع): (يا سويد ان اللبيب لا يتأثث في دار النقلة ـ أي دار الدنيا ـ وامامنا دار المقامة ـ أي الآخرة ـ قد نقلنا اليها متاعنا، ونحن منقلبون اليها عن قريب).
نعم ولشدة حرصه(ع) على سلوك سبيل رسول الله(ص) في عدله وزهده اشار عقبة بن علقمة قال: دخلت على علي فاذا بين يديه لبن حامض آذتني حموضته، وكسر ـ أي خبز يابس فقلت: يا امير المؤمنين اتأكل مثل هذا؟
فقال لي: (يا ابا الجنوب، كان رسول الله(ص) يأكل ايبس من هذا، ويلبس اخشن من هذا، وأشار الى ثيابه، فان انا لم آخذ بما اخذ به خفت الا الحق به).
وختاماً ايها الاكارم ـ شكراً لكم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم من برنامج الخلق العظيم نترككم بحفظ الله ورعايته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******