وصلى الله على خير خلقه محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم معنا في برنامج (الخلق العظيم) راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
ان من ركائز الايمان بالله عز وجل تفويض الامر اليه والاعتماد عليه في مسيرة الحياة واستمداد العون منه في الشدة والرخاء والاعتقاد بانه تبارك وتعالى المدبر للملك والفعال لما يريد، وبيده وحده الاعطاء والمنع والرزق والحرمان، والنصر والهزيمة والسبق والتخلف. والتوكل على الله تعالى زاد المؤمنين في الحياة يمنحهم الثبات عند المحن ويدفعهم بقوة لخوض معركة الحياة ويملأ قلوبهم بالعزة والطمأنينة والاستعلاء على المصاعب والارتفاع على الشدائد.
وفي الكتاب العزيز وسنة الرسول(ص) نصوص وافرة في الثناء على المتوكلين وحث المؤمنين على الاتصاف بروح التوكل واليقين، قال تعالى: «قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون» (التوبة، 51). وقال تعالى: «وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين» (المائدة، 23).
وقال(ص): (من سره ان يكون اغنى الناس فليكن بما عند الله اوثق منه بما في يده). واذا تتبعنا سيرة رسول الله(ص) لالفينا توكله على الله تعالى والثقة بما عنده امراً لايبلغ شأوه ولا يطال مداه، وفي كل مواقفه ونشاطاته. عن جابر بن عبد الله(رض) قال: كنا مع رسول الله(ص) بذات الرقاع فاذا اتينا شجرة ظليلة تركناها لرسول الله(ص) بذات فجاءه رجل من المشركين وسيف رسول الله(ص) معلق بالشجرة فاخترطه فقال: تخافني؟
قال(ص): لا.
فقال المشرك: فمن يمنعك مني؟
قال(ص): الله، فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله(ص) السيف، فقال: من يمنعك مني؟
فقال المشرك: كن خير آخذ.
فقال(ص): (تشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله)؟ .. قال لا، ولكني اعاهدك ان لا اقاتلك ولا اكون مع قومٍ يقاتلونك، فخلى(ص)سبيله فأتى المشرك اصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس.
لقد كان من معالي اخلاق الامام علي بن موسى الرضا(ع) كثرة البر والاحسان للعبيد حيث عرف عنه(ع) عتقه للعبيد وتحريرهم من رق العبودية، ويقول الرواة: انه اعتق الف مملوك، ومن بره بهم ما رواه عبد الله بن الصلت عن رجل من اهل بلخ قال: كنت مع الرضا في سفره الى خراسان فدعا بمائدة جمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقلت له: (جعلت فداك، لو عزلت لهؤلاء مائدة)؟ فقد اراد الرجل ان لا يجلس الامام مع السودان ويتناول معهم الطعام فأجابه الامام قائلاً: (ان الرب تبارك وتعالى واحد والام واحدة، والجزاء بالاعمال).
نعم ان سيرة أئمة اهل البيت(ع) جميعاً كانت ترمي الى الغاء التمايز العنصري بين الناس، وانهم جميعاً من معدن واحد لا يفضل بعضهم على بعض الا بالتقوى وعمل الخير.
اخوتي الاعزاء لقد كان الامام علي الهادي(ع) من اندى الناس كفاً واكثرهم براً واحساناً بالفقراء والبؤساء، وذلك بالرغم من الحصار الاقتصادي الذي فرضه عليه الطاغية المتوكل العباسي روي ان اعرابياً قصده في ضيعة له فسأله الامام عن حاجة له، فقال له: يا بن رسول الله انا رجل من اعراب الكوفة المتمسكين بولاية جدك علي بن ابي طالب(ع) وقد ركبني فادح ـ أي دين ـ اثقلني حمله، ولم ار من اقصده سواك؟ فرقَّ الامام لحاله, واكبر ما توسل به من الولاء لجده امير المؤمنين(ع) وكان لا يجد ما يسعفه بشيء من المال، فكتب له ورقة بخطه جاء فيها: (ان للاعرابي ديناً عليَّ)، وعين مقداره، وقال له، خذ هذه الورقة فاذا وصلت الى سر من راى، وحضر عندي جماعة فطالبني بالدين الذي في الورقة، واغلظ عليَّ في ترك ايفائك، ولا تخالفني فيما اقول، فأخذ الاعرابي الورقة، ولما قفل الامام راجعاً الى سرمن رأى قصدته جماعة من عيون السلطة للسلام عليه، فجاء الاعرابي فابرز الورقة، وطالب الامام بتسديد ما فيها، فجعل الامام يعتذر له، والاعرابي يغلظ له في القول وبادر بعض اعوان السلطة الى المتوكل فأخبره بالامر، فأمر بحمل ثلاثين الف درهم للامام، ولما وصلت له قال الامام(ع) للاعرابي: (خذ هذا المال فأوف به دينك وانفق الباقي على عيالك). واكبر الاعرابي ذلك وقال للامام: يبلغ ثلث هذا المبلغ، ولكن الله اعلم حيث يجعل رسالته فيمن يشاء، واخذ الاعرابي المال وهو فرح مسرور يدعو للامام الذي انقذه من البؤس والحرمان.
اجل لقد اكرم الامام الهادي(ع) الفقراء والمحتاجين قربة الى الله تعالى، وحسبه انه من اسرةٍ كانوا يطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً واسيراً.
لقد كان الامام ابو محمد الحسن العسكري(ع) اعبد اهل زمانه واكثرهم انابة وطاعة لله تعالى، فكان يحيى لياليه بالصلاة وتلاوة الكتاب العزيز والسجود لله تعالى، قال محمد الشاكري: كان الامام يجلس في المحراب ويسجد فأنام وانتبه وهو ساجد، لقد اناب الامام العسكري(ع) الى الله تعالى، واخلص في عبادته وطاعته كآبائه الذين وهبوا ارواحهم لله تعالى، وكانوا حملة رسالته ودعاته الواقعيين في الارض.
وفي الختام ايها الاعزاء نتقدم اليكم بالشكر الجزيل على حسن المتابعة وجزاكم الله خير الجزاء وحتى اللقاء القادم من برنامج الخلق العظيم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******