جاء تصريح عراقجي خلال مشاركته الافتراضية في مراسم تكريم محمد علي جمال زاده، رائد القصة القصيرة الفارسية، التي أُقيمت في مدينة جنيف، رمز الحوار والتفاهم بين الشعوب.
جمال زادة... الكاتب الذي جعل من اللغة وطناً
استهل وزير الخارجية كلمته بالقول:
«من دواعي الفخر أن نحتفل هنا في جنيف بذكرى أحد كبار الأدباء الإيرانيين الذين غيّروا ملامح النثر الفارسي المعاصر.
جمال زادة لم يكن مجرد كاتب في المنفى، بل ظل يعيش بوجدانه مع آلام الناس وأفراحهم، يكتب بالفارسية ويفكر بالفارسية ويتنفس بها».
وأضاف أن جمال زادة، من خلال مجموعته الشهيرة «كان يا ما كان»، فتح أبواب الأدب أمام عامة الناس، وأدخل لغة الشارع إلى النص الأدبي، فصار صوت البسطاء ومرآة المجتمع. وفي أعماله، امتزج الوعي بالواقع مع سخريةٍ رقيقة عكست بصدق تناقضات الحياة الإيرانية.
وتابع عراقجي قائلاً إن الكاتب الكبير «كان يرى في الكتابة أسلوب حياة، لا مهنة»، مشيراً إلى أن سنوات غربته الطويلة في أوروبا لم تقطع صلته بوطنه، «فإيران بالنسبة له لم تكن مجرد حدود على خريطة، بل بيتاً يسكن اللغة والثقافة، وذاكرة تمتد إلى ألف عام من الحكاية والأسطورة».
الثقافة... جسر الدبلوماسية
وشدد وزير الخارجية على أن العالم اليوم «أحوج ما يكون إلى الحوار والتفاهم بدلاً من الصراع وسوء الفهم»، مضيفاً أن التراث الثقافي والأدبي للأمم هو الوسيلة الأنجع لتحقيق ذلك.
«إن وزارة الخارجية الإيرانية تعتبر الدبلوماسية الثقافية جزءاً لا يتجزأ من رسالتها، لأننا نؤمن بأن القوة المستدامة تنبع من الثقافة، لا من السلاح، ومن اللغة المشتركة بين البشر لا من لغة القوة».
ورأى عراقجي أن شخصيات مثل محمد علي جمال زاده هم «السفراء الحقيقيون للثقافة الإيرانية»، فقد قدّموا وجه إيران الحقيقي إلى العالم «بلا ضجيج، عبر الكلمة والفكر».
اللغة الفارسية... جسر للتفاهم لا للانقسام
وأشار الوزير إلى أن جمال زادة، رغم إقامته في جنيف، ظل صوته يصل إلى قلوب الإيرانيين والفارسية اللسان في كل مكان، «فكلماته وُلدت في المنفى لكنها لم تُغادر الوطن». واستمدّ نَفَسه الأدبي من والده الخطيب الإصلاحي المعروف السيد جمال الدين واعظ الأصفهاني الذي بشّر بالحرية والعدالة في عصر المشروطة.
وقال عراقجي إن الثقافة الإيرانية قائمة على الحوار والعقلانية والإنسانية، مضيفاً: «من الحكمة الإيرانية إلى الأدب الفارسي، يبرز دوماً صوت العقل والاعتدال. وليس عبثاً أن تكون الدبلوماسية الإيرانية اليوم امتداداً لهذا الصوت، تنادي بالعدالة وترفض الظلم في العالم».
وختم بالقول إن الاحتفاء بجمال زادة «ليس مجرد تكريم لكاتب، بل احتفاء بتقليدٍ ثقافي يرى في اللغة أداة للتقارب لا للخصام، وفي الأدب جسراً بين الشعوب لا جداراً بينها»، معرباً عن شكره للجهات المنظمة في جنيف، ومتمنياً أن تكون المناسبة «منطلقاً لتوسيع التعاون الثقافي وتعزيز التفاهم بين الأمم وصون اللغة الفارسية كتراث مشترك للإنسانية».
«رحم الله محمد علي جمال زادة، الكاتب الصادق والبصير، الذي خلد وجدان الشعب الإيراني في كلماتٍ لا تموت».