وصلى الله على سيد الخلق اجمعين محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم (الخلق العظيم) آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
الدعاء في الاسلام تعبير حي عن شعور الانسان بحاجته الدائمة الى الله عز وجل في جميع اموره واعترافه الخاضع بالعبودية له تعالى التي تتجسد في الشعور بالارتباط العميق به عز وجل ومن البداهة بمكان أن الايمان الواقعي لا يتحقق بدون هذا الشعور وهذا الاحساس اذ لا معنى للايمان بالله تعالى دون الاحساس بقدرته التي لا تقف عند حد وقوته المطلقة التي لا تنتهي. ولان الدعاء ترجمة حية لايمان العبد بهذه الحقيقة العظمى فان الشريعة الالهية ما فتئت تحمل المؤمنين على الاهتمام بالدعاء والانشداد الى الله تعالى من خلاله والتماس رحمته وعفوه وتسديده واعلان الخضوع والعبودية له في كل آن. وللاهمية البالغة التي يحتلها الدعاء في الاسلام فان رسول الله(ص) كان سباقاً اليه متعاهداً لامره فقد كان دائم الضراعة الى الله تعالى دائم الذكر له سبحانه حتى لا تكاد تجد ساعة من ساعات عمره الشريف دون ان تكون عامرة بالدعاء الى الله عز وجل ـ كما تطلعنا على ذلك سيرته العطرة ـ فهو يدعو اذا نزل به كرب او هم ويدعو عند الصباح وعند رؤية الهلال وبعد كل صلاة وكل نافلة وعند طلوع الشمس وعند السفر وبعد السفر، ويدعو(ص) لحفظ القرآن وعند تجدد النعم بل يدعو في جميع حالاته واوضاعه. فمن دعائه(ص)اذا وضعت المائدة بين يديه: (سبحانك الله ما احسن ما تبتلينا، سبحانك ما اكثر ما تعطينا، سبحانك ما اكثر ما تعافينا، اللهم اوسع علينا وعلى فقراء المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات).
ومن دعائه(ص) بعد نافلة الصبح، قال علي امير المؤمنين(ع) (ان رسول الله(ص) كان اذا صلى ركعتين قبل صلاة الغداة اضطجع على شقه الايمن وجعل يده اليمنى تحت خده الايمن)، ثم قال: (استمسكت بعروة الله الوثقى التي لا انفصام لها واستعصمت بحبل الله المتين، اعوذ بالله من فورة العرب والعجم واعوذ بالله من شر شياطين الانس والجن، توكلت على الله، طلبت حاجتي من الله، حسبي الله ونعم الوكيل، لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
لقد كان من معالي اخلاق الامام السجاد علي بن الحسين(ع) الشجاعة كأجداده الطاهرين فقد كان من اشجع الناس واربطهم جأشاً ومن شجاعته النادرة لما دخل اسيراً على المجرم الارهابي ابن مرجانة لم يحفل به ولم يخضع لسلطانه فقد جابه الطاغية الامام بكلمات التشفي فرد عليه الامام(ع) بكلمات ملتهبة كانت اشد على الطاغية اللئيم من وقع السيوف، فاستشاط غضباً وامر جلاوزته بقتله فلم يفزع الامام وقال له بنبرة المتوكل على الله تعالى: (اما علمت ان القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة). فانبرت سليلة النبوة السيدة زينب(ع) فانقذته من ذلك المجرم ولولا فضل الله تعالى وحكمته لانقطع نسل الامام الحسين(ع) وسلالة الامامة، ومن شجاعة الامام السجاد(ع) ايضاً انه لما جيء به اسيراً الى الطاغية يزيد بن معاوية ـ عليه اللعنة ـ قابله الامام بكل جرأة ونعى عليه ما اقترفه من عظيم الجريمة بابادته لعترة رسول الله(ص) وخطب في البلاط الاموي خطبته التأريخية التي ايقظت الجماهير وفضحت بني امية ويزيد وانزلته من قصره الى قبره.
نعم ـ لقد ورث الامام زين العابدين(ع) الشجاعة من جده الرسول(ص) ومن جده الوصي امير المؤمنين(ع) ومن ابيه الامام الحسين(ع)وهم من اشجع ما خلق الله تعالى، فليس في دنيا الاسلام من يضارعهم في البطولة والبسالة وقوة العزم والصلابة في الدفاع عن الحق.
تحدث الامام الصادق(ع) مع اصحابه عن بعض الصفات الكريمة التي ينبغي الاخذ بها فقال: (خمس من لم تكن فيه لم يكن كثير مستمتع: الدين، والعقل، والادب، والحرية، وحسن الخلق). وهذه الصفات من امهات الفضائل فمن اتصف بها بلغ ارقى مراتب الكمال، وهذا ما حدث لحفيده الامام علي بن موسى الرضا(ع) حيث بلغ ارقى مراتب الكمال باخلاقه الشريفة وذكر التأريخ باحرف من نور ما قاله ابراهيم بن العباس عن مكارم اخلاقه(ع) قال: (ما رأيت ولا سمعت باحد افضل من ابي الحسن الرضا(ع) ما جفا احداً قط، ولا قطع على احد كلامه، ولا رد احداً عن حاجة، وما مد رجليه بين جليسه، ولا اتكأ قبله، ولا شتم مواليه ومماليكه، ولا قهقه في ضحكه، وكان يجلس على مائدته مماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل، يحيي اكثر لياليه من اولها الى آخرها كثير المعروف والصدقة، واكثر ذلك في الليالي المظلمة).
وختاماً ايها الافاضل نشكركم على حسن المتابعة ونسأله تعالى ان يجعلنا من عباده الصالحين انه سميع مجيب. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري عز وجل والسلام عليكم رحمة الله وبركاته.
*******