بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على حبيبه محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم (الخلق العظيم) هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
لقد كان من ذاتيات النبي(ص) دوام الانابة الى الله عز وجل في الصلاة انه(ص) كان ينتظر وقت الصلاة ويشتد شوقه ويترقب دخوله ويقول لبلال مؤذنه: (أرحنا يا بلال).
ولمدى تعلقه بالله تعالى وانشداده اليه عن طريق الصلاة اشار(ص) في حديثه لابي ذر الغفاري(رض): (يا ابا ذر ان الله تعالى جعل قرة عيني في الصلاة وحببها اليَّ كما حبب الى الجائع الطعام، والى الظمآن الماء، فان الجائع اذا اكل الطعام شبع واذا شرب الماء روي وانا لا اشبع من الصلاة).
ومن مصاديق دأبه على العبادة والتوجه الى الله سبحانه وشكره فضله العظيم عليه ما روي عنه(ص) من انه صلى حتى انتفخت قدماه فقيل له: اتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال(ص): (أفلا أكون عبداً شكوراً)؟
لقد كان من معالي اخلاق الامام السجاد علي بن الحسين(ع) الصبر على المحن والاحداث الجسام التي مرت به، فقد طافت به الخطوب منذ ان ادرك الحياة الى ان فارقها فقد فجع بوفاة والدته وهو في المرحلة الاولى من طفولته، كما شاهد(ع) وهو في غضون صباه شهادة جده الامام امير المؤمنين(ع) على يد المجرم الخبيث عبد الرحمن بن ملجم واعقب ذلك المحنة الكبرى وهي خذلان جيش الامام الحسن(ع) واضطراره الى الصلح وما اعقب ذلك من ازمات خطيرة على شيعة اهل البيت عليهم السلام حينما تسلم معاوية قيادة الحكم فطغى واسرف في اراقة الدماء الزكية ممن يدينون بالولاء لاهل البيت فسَمَلَ منهم العيون والقى الكثير منهم في زنزانات السجون، واسقط حقوقهم المدنية، ثم اغتال سبط الرسول(ص) بالسم وفرض ولده الفاسق يزيد حاكماً على المسلمين واخذ البيعة له بالقسر، وبعد هلاك الظالم معاوية فجَّر سيد الشهداء وابو الاحرار الامام الحسين(ع) ثورته الكبرى لانقاذ المسلمين من الحكم الاموي الذي استهدف القضاء على القيم الاسلامية، كذلك رأى الامام زين العابدين(ع) العصابات المجرمة من جيوش النفاق الاموي التي احاطت بأبيه في صعيد كربلاء وهي تحصد رؤوس الصفوة من أهل بيت النبوة واصحابهم المخلصين ثم احاط الجناة بالامام الحسين(ع) رائد العدالة الاجتماعية في دنيا الاسلام وهم يوسعونه ضرباً بسيوفهم وطعناً برماحهم حتى استشهد سلام الله عليه دفاعاً عن الاسلام العظيم وعن كرامة المسلمين ثم احاطوا بالامام السجاد(ع) وهو يعاني المرض الشديد وقد فقد اهل بيته، فاحرقوا خباءه واخبية عقائل النبوة ونهبوا ما عليهن من حلل وحملوه اسيراً مع ودائع الوحي الى لقيط وضيع وهو ابن مرجانة فقابل الامام بالشماتة والازدراء واراد قتله الا ان عمته العقيلة زينب(ع) انقذته بمشيئة الله تعالى، وبعد ذلك حمل الامام مع نساء واطفال اهل البيت(ع) الى وضيع آخر هو يزيد الملعون وقد جرت عليه من المحن والخطوب ما تذوب لها لفائف القلوب.، لقد تجرع كل ذلك وهو صابر محتسب قد اوكل امره الى الله تعالى ورضي بقضائه، فأيُّ نفسٍ ملائكية كانت نفسه الشريفة التي هي امتداد لنفوس آبائه العظام الذين وهبوا ارواحهم لله تعالى، وتفانوا في خدمة الدين الحنيف، وتسلحوا بالصبر على ما عانوه من الخطوب السود، وكان زين العابدين(ع) يرى الصبر من الغنائم وانه رأس طاعة الله تعالى.
ان قوة شخصية الامام السجاد(ع) وعدم انهيارها امام الاحداث المذهلة تعد من اندر الشخصيات على امتداد التأريخ.
وعن الامام موسى الكاظم(ع) حث المسلمين على اغاثة من استجار بهم وحذر من عدم اجابته قال(ع): (من قصده رجل من اخوانه مستجيراً في بعض احواله فلم يجره بعد ان يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عز وجل).
اجل ان التثاقل في اجابة المستجير وترك اغاثته توجب سخط الله تعالى والمزيد من عقابه.
روي انه كانت لمحمد البكري ديون على جماعة من اهل المدينة فطالبهم فلم يستجب له احد، فرأى ان يتشرف بمقابلة الامام الكاظم(ع) ويشكو اليه حاله، فمضى لمقابلته فوجده في ضيعة له تسمى "نقمى" فقصده وبعد الالتقاء به عرض عليه حاجته وضيق حاله فامر الامام(ع) غلامه بالانصراف لئلا يرى الرجل فيكون عليه ذل السؤال ثم اعطاه صرَّة فيها ثلاثمئة دينار لعلها كانت اكثر من ديونه وانصرف الرجل داعياً له بالخير وشاكراً نعمته عليه.
وفي الختام ـ ايها الافاضل ـ شكراً جزيلاً لكم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نترككم برعاية الباري عز وجل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******