وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم مستمعينا الافاضل ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الافاضل ـ ان الصلاة سكينة النفس وطهارة الروح واقوى مظاهر العلاقة بين العبد وربه وقد امر الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين ان يقيموا الصلاة في اوقات معلومات وخمس فرائض كل يوم وهم من اجل ذلك يترددون على ساحة الله العظيم كلما آن وقت للصلاة، وبناءً على ما تحتله الصلاة من مكانة عظمى في الرسالة الاسلامية فقد كان اهتمام رسول الله(ص) بها وتعاهده لامرها منقطع النظير، الامر الذي تكشفه سيرته العطرة في هذا المضمار عن الحسين بن علي(ع) وهو بصدد ذكر خشوع رسول الله(ص) في صلاته ـ يقول: كان يبكي حتى يبتل مصلاه خشية من الله عز وجل من غير جرم أي من غير صوت مرتفع.
ولعظيم خشوعه(ص) في صلاته يقول مطرف بن عبد الله بن الشخير في روايته عن ابيه قال: رأيت النبي(ص) يصلي ولصدره ازيز كأزيز المرجل ـ وهو صوت غليان الماء في الاناء ـ وهو اشارة الى تردد صوت بكاء الرسول(ص) في صدره الشريف واختناقه بعبرته.
ولأهمية الصلاة لديه وتعاهد الرسول(ص) لامرها اشار امير المؤمنين علي(ع) في حديث له يوصي به اصحابه: وكان رسول الله(ص)نصباً بالصلاة بعد التبشير له بالجنة لقول الله سبحانه: «وأمر اهلك بالصلاة واصطبر عليها» فكان يأمر اهله ويصبر عليها نفسه. ومعنى النصب ـ مستمعي الكريم ـ العناء والتعب.
مستمعينا الاعزاء ـ لقد ذكر التاريخ باحرف من نور ان الامام السجاد علياً بن الحسين(ع) لم يبتغ في صدقاته وبرّه الى الفقراء مدحاً او اجراً من احد، وانما كان يبغي وجه الله تعالى وما يقربه اليه زلفى وقد وضع امامه قوله تعالى: «الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا منّاً ولا اذى لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (البقرة، 262).
روى الزهري قال: رايت علي بن الحسين(ع) في ليلة باردة وهو يحمل على ظهره دقيقاًً فقلت له: يابن رسول الله، ما هذا؟ فقال له الامام بصوت خافت، "اعدٌّ سفراً، واعدٌّ له زاداً احمله الى موضع حريز". والحريز "الحصين" ولم يفهم الزهري ما اراد الامام فاسرع قائلاً: هذا غلامي يحمله عنك ولم يجبه الامام فتضرع اليه الزهري ان يحمله عنه بنفسه الا انه اصر على ما ذهب اليه وقال له: (ولكني لا ارفع نفسي عما ينجيني في سفري، ويحسن ورودي على ما ارد عليه، اسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك)، وانصرف الزهري عن الامام، وبعد ايام التقى به وكان قد ظن ان الامام على جناح سفر ولم يرد ان يخبره عنه، فقال له: يابن رسول الله، لست ارى لذلك السفر الذي تركته اثراً؟ فأخبره الامام(ع) بالسفر الذي يريده وهو السفر الى دار الحق قائلاً: (يا زهري ليس ما ظننت، ولكنه الموت، وله استعد، انما الاستعداد للموت تجنب الحرام، وبذل الندى للخير).
مستمعينا الاكارم، لقد كان من مكارم الامام علي بن محمد الهادي(ع) تكريمه وتبجيله للعلماء لانهم منابع النور والوعي في الاسلام وقد كرم(ع) احد علماء المؤمنين وقد بلغه انه حاجج ناصبياً فافحمه، فسر بذلك، ووفد العالم على الامام(ع) فقابله بحفاوة وتكريم، وكان مجلسه مكتظاً بالسادة العلويين والعباسيين، فاجلسه على دست "أي وسادة" واخذ يحدثه ويسأله عن حاله سؤالاً حفياً فشق ذلك على السادة الحاضرين فالتفتوا الى الامام قائلين له بعتاب: كيف تقدمه على السادة من بني هاشم؟
فاجابهم الامام(ع) برفق ولطف قائلاً: اياكم ان تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم: «الم تر الى الذين اوتوا نصيباً من الكتاب يدعون الى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون» (آل عمران، 23).
اترضون بكتاب الله عز وجل حكماً؟ فانبروا جميعاً قائلين بلهجة واحدة: نعم يابن رسول الله. وأخذ الامام(ع) يدلي عليهم ببالغ الحجة ضرورة تكريم العالم وتقديمه على غيره قائلاً: أليس الله تعالى قال: «يا أيها الذين آمنوا اذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم واذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات» (المجادلة، 11).
فلم يرضى للعالم المؤمن الا ان يرفع على المؤمن غير العالم، كما لم يرض للمؤمن الا ان يرفع على غير المؤمن، اخبروني عن قوله تعالى: «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات» هل قال: يرفع الله الذين اوتوا النسب درجات، او ليس قال الله:«قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» (الزمر، 90). فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه الله تعالى، "ان كسر هذا لفلان الناصب بحجج الله تعالى التي علمه اياها لاشرف من كل شرف في النسب" وسكت الحاضرون فقد رد عليهم الامام الهادي(ع) ببالغ الحجة وقوة البرهان.
وختاماً ـ ايها الاكارم ـ شكراً لكم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء وجزاكم الله خير الجزاء وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******