وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وعلى أهل بيته الطاهرين وصحبه الميامين.
السلام عليكم ـ مستمعينا الافاضل ـ ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الاعزاء ـ ان سموَّ اخلاق الرسول(ص) انما جاءت حصيلة لاعداد الهي خاص توفر لرسول الله(ص) قبل الدعوة وواكبه بعدها، فقد كان قبل الدعوة يصنع على عين الله عز وجل، ويعد وفق تخطيط الهي ليكون كفؤاً للرسالة الالهية وتجسيداً حياً لها. والى هذا اللون من الاعداد الالهي لرسول الله(ص) اشار الامام علي(ع) وهو اكثر الخلائق معرفة به في حديث له اذ قال: (ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن ان كان فطيماً اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن اخلاق العالم ليله ونهاره) وفي ظل تلك الرعاية الربانية الخاصة للرسول(ص) باينت شخصيته جميع ابناء مجتمعه، وصار علماً في سمو اخلاقه وهديه، ومضرباً للأمثال في فضله وعلوَّ شأنه واسماه قومه ـ حتى اهل الجاهلية منهم ـ الصادق الامين تمييزاً له عن سواه.
مستمعينا الافاضل ـ لقد سار ائمة اهل البيت(ع) على نهج جدهم الرسول(ص) فتميزوا بالاخلاق السامية، وهذا الامام علي بن الحسين(ع) المعروف بالسجاد وزين العابدين كان من احب الاشياء اليه الصدقة في السر مخافة ان يعرفه احد من الناس، وقد اراد ان يربط نفسه ومن يعطيهم من الفقراء برباط الحب في الله تعالى وكان(ع) يحث على صدقات السر ويقول: "انها تطفيء غضب الرب". وكان السجاد(ع) يخرج في وسط الليل المظلم فيصل الفقراء بهباته وعطاياه وهم لا يعرفونه، وقد اعتاد الفقراء على صلته فكانوا ينتظرونه واقفين على ابواب بيوتهم، فاذا رأوه تباشروا وقالوا: جاء صاحب الجراب وكان له شخص من اقربائه يأتيه بالليل فيناوله الدنانير فيقول له العلوي: ان عليَّ بن الحسين لا يصلني، ويدعو عليه، فيسمع الامام(ع) ذلك ويغضي عنه، ولما توفي(ع) فقد العلوي الصلة، وعلم ان الذي كان يصله الامام فكان يأتي الى القبر باكياً معتذراً منه، وقال ابن عائشة: سمعت اهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين(ع). وكان الامام السجاد(ع) شديد التكتم في صلاته وهباته فكان اذا ناول احداً شيئاً غطى وجهه لئلا يعرفه الناس، ويقول الذهبي، انه كثير الصدقة في السر وكان يجعل الطعام الذي يوزعه على الفقراء في جراب ويحمله على ظهره وقد ترك ذلك اثراً عليه.
وروى اليعقوبي انه لما غسل بعد وفاته وجدوا على كتفيه جلباً كجلب البعير "والجلبة القشرة التي تعلو الجرح عند البرء" فقيل لاهله: ما هذه الآثار؟ فقالوا: (من حمله للطعام في الليل يدور به على منازل الفقراء).
مستمعينا الاعزاء ـ من الصفات الرفيعة التي حث الامام الصادق(ع) عليها السخاء حيث قال: "السخاء في الله ينفي مصارع السوء والبلاء، ويزيد في العمر". وقال(ع): اقربكم الى الله تعالى اسخاكم، وقال السخاء شجرة على باب الجنة من تعلق بغصن من اغصانها قادته الى الجنان.
وكان من معالي اخلاق الامام الصادق(ع) تكريمه للضيوف والاحتفاء بهم فكان يشرف على خدمتهم ويأتيهم باشهى الوان الطعام واوفره وكان يكرر عليهم القول وقت الاكل: اشدكم حباً لنا اكثركم اكلاً عندنا. وكان يأمر في كل يوم بوضع عشر ثبنات من الطعام يتغدى على كل ثبنة عشرة.
وهكذا نعرف ـ مستمعي الكريم ـ ان السخاء ميزة راسخة عند ائمة اهل البيت(ع) فهم معدن الكرم ومنبع المعروف.
وننتقل ـ مستمعينا الاكارم ـ الى امامنا موسى بن جعفر الكاظم(ع) لنتحدث عن دوام انابته الى الله تعالى وانقطاعه اليه وتمسكه بحبل طاعته حيث ذكر الرواة عن خوفه(ع) وخشيته من الله عز وجل انه كان يبكي من خشيته تعالى حتى تخضلَّ كريمتهٌ من دموع عينيه. وقد روى الشيباني قال: كانت لابي الحسن موسى في بضع عشرة سنة سجدة في كل يوم بعد ابيضاض الشمس الى وقت الزوال، ولكثرة سجوده(ع) كانت له ثفنات في مواضع سجوده كثفنات البعير، وكان له غلام يقصها من جبينه وعرنين انفه وفي ذلك قال بعض الشعراء:
طالت لطول سجود منه ثفنته
فقرحت جبهة منه وعرنينا
رأى فراغته في السجن منيته
ونعمة شكر الباري بها حينا
ودخل الكاظم(ع) الجامع النبوي في اول الليل فسجد سجدة واحدة وهو يقول بخضوع وخشوع: (عظم الذنب عندي، فليحسن العفو عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة) وجعل يردد هذه الكلمات بانابة وخشوع حتى اصبح الصبح وحينما اودعه طاغية بني العباس هارون في سجن الربيع كان يطل من اعلى القصر فيرى ثوباً مطروحاً في مكان خاص من البيت لم يتغير عن موضعه فتعجب من ذلك وقال للربيع: ما ذاك الثوب الذي اراه كل يوم في ذلك الموضع؟ فقال له الربيع: ما ذاك بثوب، وانما هو موسى بن جعفر له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الى وقت الزوال. واندهش الطاغية هارون وراح يبدي اعجابه بعبادة الامام قائلاً: اما ان هذا من رهبان بني هاشم، والتفت الربيع الى هارون طالباً منه ان يطلق سراحه ولا يضيق عليه في السجن قائلاً: يا امير المؤمنين مالك قد ضيقت عليه في الحبس؟ فأجاب الطاغية المغرور بعنف: هيهات لابد من ذلك؟
اجل ـ مستمعي العزيز ـ ان حرص هارون العباسي على الملك وحبه للدنيا قد صداه عن الطريق القويم ودفعاه الى سجن الامام الكاظم وحرمان المسلمين من التمتع بعلومه وبركاته والاستفادة من مواهبه(ع).
وفي الختام ـ ايها الاعزاء ـ شكراً لكم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء. وحتى اللقاء القادم من برنامج "الخلق العظيم" نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******