والصلاة والسلام على محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين...
السلام عليكم ـ مستمعينا الاكارم ـ ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً...
مستمعينا الاعزاء ـ ان شهادة الباري تعالى لرسوله الكريم محمد(ص) بقوله: «وانك لعلى خلق عظيم»، تعبر تعبيراً واضحاً وجلياً عن مدى عظمة شخصية الرسول، ثم ان تحمل الرسول(ص) لهذه الشهادة والامانة بعد تلقيها من لدن ربه الاعلى دليل آخر على عظمته فهو(ص) يعلم اكثر من غيره من عباد الله من هو الله صاحب تلك الشهادة الخالدة الصادقة.
بيد انه مع ذلك يظل(ص) ثابتاً مطمئناً راسخاً لا تعرف نفسه التكبر ولا التعالي ولا الافتخار بعد تلك الشهادة وبعد ذلك الثناء الذي لا يوازيه ثناء ولا يبلغ مداه مديح فكم شهد التاريخ من رجال يختل توازنهم اذا تلقوا مديحاً من زعيم لهم فيستبد بهم التعالي والانتفاخ، مع ان ما تلقوه من ثناء يتصدر من بشر ذي دائرة محدودة.
غير ان رسول الله(ص) وهو يتلقى ما تلقاه من ثناء عظيم من الكبير المتعال سبحانه يظل هو متماسكاً مطمئناً دونما اضطراب او تحول في موقف او قول او سلوك «الله اعلم حيث يجعل رسالته».
وبعد رسول الله(ص) يأتي اهل بيته الاطهار(ع) كصورة مشرقة وناصعة لتلك الاخلاق العظيمة والتربية السامية التي كانت وما تزال مشعل هداية لكل الاجيال البشرية فهذا سبطه الحسن بن علي(ع) سيد شباب اهل الجنة الذي عرف بالاخلاق السامية النبيلة ومنها الانابة والانقطاع الى الله تعالى ومن مظاهر ذلك انه(ع) حج بيت الله الحرام خمساً وعشرين حجة ماشياً على قدميه وكانت النجائب تقاد بين يديه، والنجائب ـ الفاضلة من الحيوانات ـ وسئل(ع) عن كثرة حجه ماشياً فأجاب: (اني استحي من ربي الا امضي الى بيته ماشياً على قدمي). وذكر التاريخ ان الامام الزكي ريحانة رسول الله(ص) قدم كل غال ونفيس لمرضاة الله تعالى فقد خرج عن جميع ما يملك مرتين وتصدق به على الفقراء، كما شاطر الله تعالى امواله ثلاث مرات، وكان الحسن المجتبى(ع) يتلو الذكر الحكيم بامعان وخشوع فلا يمر بآية فيها نداء للمؤمنين الا قال: "اللهم لبيك" وكان يقرأ في كل ليلة سورة الكهف، وكان(ع) مولعاً بقضاء حوائج الناس، فقد قصده شخص في حاجة وهو في اثناء الطواف ببيت الله الحرام، فقطع الامام(ع) طوافه وسار مسرعاً فقضى حاجته، ورأى ان ذلك افضل عند الله تعالى من اتمام طوافه على ما في الطواف من اجر جزيل.
مستمعينا الكرام: واما امامنا زين العابدين علي بن الحسين(ع) فكان من اخلاقه العظيمة التي شابه فيها اباه وجده(ع) الحلم ومن امثلة ذلك ان شخصاً اعتدى عليه فاشاح الامام(ع) بوجهه عنه، وراح ذلك الشخص اللئيم يخاطب الامام قائلاً له: اياك اعني، واسرع الامام قائلاً: وعنك اغضي. وانصرف الامام(ع) ولم يقابله بالمثل وقد وضع امامه قول الباري تعالى: «واعرض عن الجاهلين». (الاعراف، 199).
ومن مكارم حلم السجاد(ع) ايضاً ان شخصاً سبه فقال له: (ان كنا كما قلت فنستغفر الله، وان لم نكن كما قلت فغفر الله لك)، فبهت الرجل وراح يعتذر من الامام قائلاً: "جعلت فداك، ليس كما قلت انا فاغفر لي" وأخذ بمجامع قلبه وفكره، وراح يستميح منه العذر والعفو وطفق يقول: "الله اعلم حيث يجعل رسالته" فيمن يشاء.
لقد كانت تلك مستمعي العزيز ـ بعض البوادر التي رواها المؤرخون من عظيم حلم الامام السجاد(ع) وهي تكشف عن طاقات لا حدَّ لها من الفضائل الماثلة فيه.
مستمعينا الافاضل ـ لقد كان الامام ابو جعفر محمد الباقر(ع) من اعمدة الايمان والتقوى في الاسلام، وقد برز على الصعيد العلمي كأعظم شخصية علمية في مواهبه وعبقرياته فكان فيما اجمع عليه المؤرخون ـ مناراً للعلم ومثلاً اعلى في سمو الاخلاق والآداب، وكان من نزعاته الاخلاقية السامية الصبر على ما عاناه من الاحداث الجسام التي تجرعها منذ نعومة اظفاره، فقد راى جده الامام الحسين(ع) على صعيد كربلاء ومعه الصفوة من اهل بيته واصحابه الميامين وهن مجزرين كالاضاحي، وصاحب المصائب والكوارث التي حلت باهل البيت وهو احد رواتها. وعلى أي حال فقد تحمل الامام الباقر(ع) المحن والخطوب التي تذهل كل كائن حي والتي منها: انتقاص السلطة الاموية الجائرة لآبائه الطاهرين واعلانها سبهم على المنابر في خطب الجمعة وصلاة العيدين، فقد جعل الطاغية معاوية سب اهل البيت جزءاً من العقيدة الاسلامية، وفرضاً لازماً على المسلمين، والامام(ع) يسمع ذلك ونفسه تتقطع ألماً وهو لا يتمكن ان ينبس ببنت شفة، فصبر على تلك المحنة الكبرى، وكان ايضاً من المحن الشاقة التي صبر عليها والتي كانت تحز في نفسه انه يرى ويسمع بالتنكيل الهائل لشيعة اهل البيت بايدي جلادي السلطة الاموية.
ونختم البرنامج بذكر قبس من كرم وسخاء الامام جعفر الصادق(ع) حيث ذكر المؤرخون ان "اشجع السلمي" دخل على الصادق(ع)فوجده مريضاً فقال له الامام(ع): اذكر ما جئت له؟ فقال:
البسك الله منه عافيةً
في نومك المعتري وفي ارقك
يخرج من جسمك السقام
كما اخرج ذل السؤال من عنقك
وفي الشطر الاخير من البيت الثاني فيه تلويح بحاجته وهو من لطائف البيان وعرف الامام حاجته فقال(ع) لغلامه: "أي شيء معك؟ فقال اربعمائة، فأمر باعطائها له".
وفي الختام ـ ايها الاعزاء ـ نتقدم لحضراتكم بالشكر الجزيل على حسن المتابعة وجميل الاصغاء ونسأله تعالى ان يجعلنا واياكم من شيعة محمد وآل محمد قولاً وعملاً انه سميع مجيب، وحتى اللقاء المقبل نستودعكم الله والسلام عليكم.
*******