البث المباشر

إيران وأوروبا على أعتاب قرار تاريخي

الثلاثاء 26 أغسطس 2025 - 18:19 بتوقيت طهران
إيران وأوروبا على أعتاب قرار تاريخي

تبدأ اليوم في جنيف جولة جديدة من المفاوضات بين إيران من جهة، والترويكا الأوروبية والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.

وتأتي هذه المحادثات في أدق مرحلة من الملف النووي الإيراني، وقبيل المهلة الأوروبية لتفعيل آلية "سناب باك"، ما يجعلها قادرة على رسم مسار التفاعل الدبلوماسي ومستقبل العلاقات بين إيران والغرب.

تنطلق اليوم الثلاثاء 26 آب/اغسطس 2025 الجولة الثانية من المحادثات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والترويكا الاوروبية والاتحاد الأوروبي، وذلك في المقر الأوروبي للأمم المتحدة بمدينة جنيف، بعد العدوان الذي شنّه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.

وتُعقد هذه المفاوضات على مستوى نواب وزراء الخارجية ونائب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وتكتسب أهمية استراتيجية كبيرة في ظلّ حساسية اللحظة الراهنة لملف إيران النووي وتوترات المنطقة.

وكانت الجولة الأولى من هذه المحادثات قد عُقدت في إسطنبول، حيث شدد الطرفان خلالها على ضرورة استمرار التشاور وإيجاد حلول عملية لتخفيف التوترات والعودة إلى مسار الدبلوماسية. ومن هنا، يُتوقع أن تكون مفاوضات جنيف نقطة حاسمة في تحديد مستقبل تفاعل إيران وأوروبا، وربما فتح الطريق أمام عودة أوضح إلى الاتفاقات النووية السابقة.

وتأتي هذه الجولة في وقت يقترب فيه موعد نهاية شهر آب/أغسطس كموعد نهائي للاتحاد الأوروبي لتفعيل آلية "سناب باك"، ما يضع ضغوطا زمنية إضافية على المفاوضين من كلا الطرفين، ويجعل لكل دقيقة من الحوار أهمية مضاعفة، سواء لتحقيق تقدم أو مواجهة عراقيل.

ومع الأخذ بعين الاعتبار نتائج المفاوضات السابقة وتداعيات الحرب المفروضة الأخيرة ذات الـ 12 يوما وأثرت على المشهد الإقليمي، تتوجه كل الأنظار إلى جنيف، حيث ستحدد نتائج هذه الجولة ليس فقط مسار الملف النووي الإيراني، بل كذلك موازين القوى في غرب آسيا وقدرة الدبلوماسية الأوروبية على إدارة الأزمات.

وتُعقد هذه المفاوضات الجديدة -وربما الأخيرة قبل تفعيل آلية "سناب باك"- فيما تستمر مشاورات طهران مع المحور الشرقي للاتفاق النووي، أي روسيا والصين، حيث شهد هذا المسار تطورات لافتة.

فقد أعلن مساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية وعضو الفريق المفاوض الإيراني، كاظم غريب آبادي، يوم الأحد عبر حسابه على منصة "إكس"، عن إجرائه مكالمة هاتفية مع نائب وزير الخارجية الصيني، ما جاو شو.

 

الصين تعارض فرض العقوبات وتدعو إلى استئناف المفاوضات سريعا

وجاء في بيان وزارة الخارجية الصينية حول تفاصيل هذا الاتصال:

"في 24 أغسطس 2025، أجرى نائب وزير الخارجية الصيني ما جاو شو، بناء على طلب مساعد وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي، مكالمة هاتفية. وخلالها، تبادل الطرفان وجهات النظر بشكل أساسي حول القضية النووية الإيرانية. وأكد "ما جاو شو" أن الملف النووي الإيراني يقف مرة أخرى عند نقطة حساسة، وأن الصين تأمل أن تظل الأطراف المعنية ملتزمة بحل هذه القضية عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية، وأن تعمل بنشاط على تهيئة الظروف اللازمة لاستئناف سريع للحوار والمفاوضات. كما شدد على أن الصين ستواصل التمسك بموقف موضوعي ومنصف، وستعزز بقوة الحوار السلمي، وتلعب دورا بنّاء في هذا الإطار. "

هذا وكان مساعد وزير الخارجية الإيراني قد أعلن أيضا يوم الثلاثاء الماضي عن لقائه مع سفير جمهورية الصين الشعبية والقائم بأعمال الاتحاد الروسي في طهران، وكتب غريب آبادي في حسابه على منصة "إكس":

"في لقائي مع سفير جمهورية الصين الشعبية والقائم بالأعمال الروسي في إيران، جرى بحث وتبادل الآراء بشأن الإجراءات المشتركة لمواجهة النهج التخريبي الذي تنتهجه الترويكا الأوروبية إزاء القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. وترى هذه الدول الثلاث جميعا أن القرار 2231 يجب أن ينتهي في موعده المقرر، ولا تملك حقا قانونيا في تفعيل آلية "سناب باك"، كما أنها تعارض إعادة فرض قرارات مجلس الأمن السابقة".

من جهته، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، في بيان رسمي يوم الجمعة 15 آب/اغسطس، أن بكين تعارض فرض العقوبات، وتعتبر أن ذلك لا يساعد الأطراف على بناء الثقة وحل الخلافات، بل يضر بالجهود الدبلوماسية الرامية إلى استئناف المفاوضات سريعا.

وجاء في رسالة الصين الموجهة إلى مجلس الأمن الدولي:

"إن المواد 10 إلى 15 من القرار 2231 لمجلس الأمن، والمواد 36 إلى 37 من خطة العمل المشترك الشاملة، تحدد آلية إلغاء البنود التي رفعت العقوبات السابقة لمجلس الأمن، وكذلك آلية إعادة فرض قرارات مجلس الأمن السابقة. وان استكمال إجراءات آلية حل النزاعات المنصوص عليها في خطة العمل المشترك الشاملة يشكل شرطا أساسيا لتفعيل آلية "سناب باك".

 

روسيا تعتبر ان أي محاولة لإعادة فرض قرارات مجلس الأمن السابقة ستكون غير مشروعة

وبالمثل، قدّمت روسيا في 14 آب/اغسطس رسالة إلى مجلس الأمن دعمت فيها مواقف طهران، وأكدت على أن أي محاولة لإعادة فرض قرارات مجلس الأمن السابقة ستكون غير مشروعة، بلا أثر، تفتقر إلى الأساس القانوني، وتضر بالمسارات الدبلوماسية. ووفقا للقرار 2231 ولمضامين خطة العمل المشترك الشاملة، فإن استخدام آلية "سناب باك" لا يكون جائزا إلا إذا كان الطرف المتقدم بالطلب أحد المشاركين في الاتفاق النووي، وقد استكمل كافة مراحل تسوية الخلافات المنصوص عليها في المادتين 36 و 37.

وفي هذا السياق، برزت الليلة الماضية، وبعد الاتصال الهاتفي بين رئيسي إيران وروسيا، قضية أثارت جدلا واسعا في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وهي أن روسيا قدّمت مشروع قرار لتمديد القرار 2231 لمجلس الأمن الدولي، المقرر انتهاء صلاحيته في تشرين الاول/أكتوبر المقبل.

ويأتي ذلك في وقت كان فيه المتحدث باسم وزارة الخارجية، إسماعيل بقائي، قد أعلن بوضوح في مؤتمره الصحفي السابق أن إيران تعارض تمديد القرار 2231، الأمر الذي يشير إلى أن المبادرة الروسية ربما تتضمن تفاصيل تُشرك إيران بها. وتقول مصادر مطلعة إن الصين أيضا ستنضم كداعمة لهذه المبادرة الروسية.

 

إيران تدافع عن نفسها بالقوة كما أنها لم تتخل عن مسار الدبلوماسية

في أحدث إعلان للمواقف من جانب طهران، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي في مقابلة خاصة مع وكالة إرنا الأسبوع الماضي:"لقد أوضحنا لهم موقفنا بشكل جلي:

أولا، أنكم أساسا لا تملكون حق استخدام آلية سناب باك، لأنكم بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ومع مواقفكم الأخيرة، بما في ذلك طرح موضوع "تصفير التخصيب"، فإنكم عمليا خرجتم أنتم أيضا من الاتفاق النووي.

وبالتالي لم تعودوا تُعتبرون أطرافا مشاركة فيه، وحق تفعيل سناب باك يقتصر على الأعضاء الباقين في الاتفاق.

ثانيا، حتى لو افترضنا أن لديكم الحق في استخدام هذه الآلية، فما الذي سيحدث عند تفعيلها؟ أولا، ينتهي تماما الدور الأوروبي في المسار الدبلوماسي؛ أداة استُخدمت وانتهى مفعولها. فماذا يتبقى بعد ذلك؟ نهاية الدبلوماسية؟".

وأضاف عراقجي أنه في آخر اتصال هاتفي أجراه مع وزراء خارجية الترويكا الأوروبية ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في 22 آب/اغسطس، شرح مواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن ما يُعرف بآلية سناب باك ومسؤولية الدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي حيالها.

وأكد وزير الخارجية أن الجمهورية الإسلامية، كما تدافع عن نفسها بقوة، فإنها لم تتخل يوما عن مسار الدبلوماسية، وهي مستعدة لأي حل سياسي يضمن حقوق ومصالح الشعب الإيراني. كما ردّ رئيس الجهاز الدبلوماسي على تكرار طرح الأوروبيين لفكرة تمديد القرار 2231 بهدف توفير وقت أطول للدبلوماسية، مشيرا الى أن هذا القرار من صلاحية مجلس الأمن الدولي أساسا، وأن إيران، رغم امتلاكها مواقف ورؤى مبدئية واضحة في هذا الخصوص، لا تتدخل في هذه العملية.

 

أوروبا ما بين الدبلوماسية وقرب موعد تفعيل الية سناب باك

أما الرواية الأوروبية لهذا الاتصال، فجاءت على لسان مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، التي كتبت:"اتصال مهم مع وزراء خارجية الترويكا الأوروبية ومع الوزيرعراقجي من إيران. أوروبا ملتزمة بحل دبلوماسي للملف النووي. ومع اقتراب سريع لموعد تفعيل آلية سناب باك، فإن استعداد إيران للتواصل مع الولايات المتحدة أمر بالغ الأهمية. كما يجب على إيران أن تتعاون بالكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. "

وبدوره كتب وزير الخارجية الألماني:

"أصدرنا تعليمات لمسؤولينا السياسيين بالاجتماع مع نظرائهم الإيرانيين الأسبوع المقبل. نحن ملتزمون بالدبلوماسية، لكن الوقت ضيق للغاية، وعلى إيران أن تشارك بجدية لتجنب إعادة تفعيل العقوبات. لقد أوضحنا أننا لن نسمح بانتهاء العقوبات إلا إذا تحقق اتفاق موثوق ودائم. "

أما رواية وزير الخارجية الفرنسي فكانت كالتالي:"أجرينا مؤخرا اتصالا مهما مع نظيرنا الإيراني بشأن البرنامج النووي والعقوبات التي نعتزم إعادة فرضها على إيران. الوقت ضيق. وسيُعقد اجتماع جديد في هذا الشأن الأسبوع المقبل. "

 

الدبلوماسية تقف عند مفترق طرق في العلاقات الإيرانية-الأوروبية

وبناء عليه، تبدأ هذه الجولة من مفاوضات جنيف في وقت يمضي فيه الزمن بسرعة، حيث إن المهلة التي صنعها الأوروبيون بأنفسهم زادت من ثقل وحساسية المحادثات، وحوّلتها إلى معركة دبلوماسية مرتبطة بعامل الوقت. ورغم أن إيران والأطراف الأوروبية أكدوا في إسطنبول على ضرورة مواصلة المسار الدبلوماسي، إلا أن الواقع يشير إلى أن فجوة التوقعات والضغوط الخارجية، ولاسيما من جانب الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، تضع إمكانية التوصل إلى تفاهم مستدام موضع شك كبير. ومن هنا يمكن اعتبار جنيف بمثابة "ساحة الحسم" ليس فقط لمستقبل الملف النووي الإيراني، بل أيضا لمكانة أوروبا في المسار الدبلوماسي المتعلق بملفات غرب آسيا.

حصيلة ما يجري بحثه اليوم في المقر الأوروبي للأمم المتحدة قد تضع أمامنا احتمالين اثنين لا ثالث لهما: الأول، فتح نافذة لتفاهم جديد واستمرار الدبلوماسية وفق صيغة وسطية تراعي الخطوط الحمراء للطرفين معا، والثاني، نهاية الدبلوماسية مع أوروبا وانتهاء دور الترويكا الأوروبية في الملف النووي الإيراني، وهو السيناريو الذي قد يكون الخيار المفضل لسيد البيت الأبيض، الذي حوّل القارة العجوز ــ المثقلة بالأعباء المالية والمعنوية للحرب الأوكرانية في السنوات الأخيرة ــ الى ورقة في تفاعلاته مع روسيا.

وفي النهاية، تبقى الحقيقة أن الدبلوماسية تقف اليوم عند مفترق طرق؛ فإما أن تصل إلى "إعادة تعريف" جديدة ترسم مسارا مختلفاً لإدارة الأزمات، وإما أن يقرّبها خيار خاطئ من نقطة النهاية.

وفي كلتا الحالتين، فإن مفاوضات اليوم ستشكل منعطفا تاريخيا في مسار العلاقة الإيرانية-الأوروبية.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة