والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ... مستمعينا الافاضل ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا نأمل ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الاعزاء ـ ان الصيغة القرآنية لمواصفات الشخصية المؤمنة بنماذجها المختلفة قد اخذت طريقها للتجسيد العملي في العملية الرائدة التي قادها المصطفى(ص)، فشخصية الرسول الكريم قد مثلت قمة التسلسل بالنسبة لدرجات الشخصية الاسلامية التي توجد عادة في دنيا الاسلام فكان(ص) عظيماً في فكره ووعيه، قمة في عبادته وتعلقه بربه الاعلى رائداً في اساليب تعامله مع اسرته والناس جميعاً، مثالياً في حسم الموقف والصدق في المواطن ومواجهة المحن، فما من فضيلة الا ورسول الله(ص) سابق اليها، وما من مكرمة الا وهو متقلد لها وتحلى اهل بيته(ع) بنفس اخلاقه العظيمة، وقد كان من سمو اخلاق بضعته الزهراء(ع) العفة والحجاب، وقد بلغت القمة في هذه الظاهرة واعطت للمرأة المسلمة الدروس القيمة لتكون مربية للاجيال ومنشأة للابناء الصالحين الذين يكونون قرة عين لآبائهم وامهاتهم ووطنهم ومن شذرات عفتها وطهارتها: روى امير المؤمنين علي(ع) قال: (استأذن اعمى على فاطمة(ع) فحجبته فقال لها رسول الله(ص): لم حجبته وهو لا يراك؟ فأجابته: ان لم يكن يراني، فاني أراه، وانبرى النبي(ص)فأثنى على ابنته قائلاً: اشهد انك بضعة مني).
أجل ـ مستمعي الكريم ـ لقد بلغت بضعة الرسول(ص) ارقى مراتب الحشمة والعفة والطهارة وعلى المرأة المسلمة ان تقتدي بسيدة النساء لتبني مجتمعاً اسلامياً قائماً على الشرف والفضيلة.
واما الآن ـ مستمعينا الاكارم ـ فمع الامام الحسن المجتبى(ع) الذي كان من افذاذ العترة الطاهرة ومن نجومها المشرقة فهو ريحانة الرسول(ص) وسيد شباب اهل الجنة وكان(ع) المثل الاعلى لمكارم الاخلاق وسمو الذات، وكان من معاني اخلاقه الزهد في الدنيا فقد شابه جده العظيم(ص) وأباه(ع) بهذه الظاهرة فتجرد عن جميع رغبات الحياة ومباهجها ونسب له في الزهد هذه الابيات:
لكسرة من خسيس الخبز تشبعني
وشربة من قراح الماء تكفيني
وطهرة من دقيق الثوب تسترني
حياً وان مت تكفيني لتكفيني
ومعنى دقيق الثوب ـ أي البسيط من الثياب ـ وقد رسم على خاتمه ما يتمثل بهذا البيت:
قدم لنفسك ما استطعت من التقى
ان المنية نازل بك يا فتى
اصبحت ذا فرح كأنك لا ترى
احباب قلبك في المقابر والبلى
وكان الامام الحسن(ع) كثير ما يتمثل بهذا البيت:
يا اهل لذات دنياً لا بقاء لها
ان اغتراراًَ بظل زائل حمق
وكان طعامه ـ في الاكثر ـ الخبز والملح ـ وقد روى مدرك بن زراد قال: كنا في حيطان ابن عباس فجاء الحسن والحسين(ع) وابنا العباس فجلسوا على ضفاف بعض السواقي فقال الحسن(ع) (يا مدرك هل عندك غذاء)؟
فقلت: نعم فبادرت وجئت له بخبز وملح وطاقتين من بقل، فتناول منها وقال: يا مدرك ما اطيب هذا. وجيء له بطعام جيد فقال لمدرك: اجمع الغلمان وقدم لهم الطعام، فأكلوا منه ولم يتناول منه شيئاً، فقال له مدرك: لماذا لم تأكل منه؟
فقال(ع): (ان ذلك الطعام احب عندي). وقد اجمع المترجمون له انه كان من ازهد الناس بعد جده وأبيه "صلوات الله عليهم اجمعين" وقد الَّف في زهده محمد بن بابويه القمي(رض) كتاباً اسماه "زهد الحسن".
مستمعينا الاعزاء ـ لا يوجد في تاريخ البشرية من يشابه الامام السجاد على بن الحسين(ع) في مكارم اخلاقه وسمو ذاته سوى آبائه الذين اضاؤوا الدنيا بمواهبهم وعبقرياتهم وعظيم ايمانهم بالله تعالى، وكان من الصفات الفاضلة التي سمت به الى ارقى مستويات الكمال الحلم حيث ذكر الرواة بوادر من حلمه منها: كانت له جارية تسكب على يديه الماء اذا اراد الوضوء للصلاة فسقط صدفة الابريق من يدها على وجهه الشريف فشجَّه فبادرت الجارية قائلة: ان الله عز وجل يقول: والكاظمين الغيظ واسرع الامام وقال لها بلطف: كظمت غيظي، وطمعت الجارية في حلم الامام ونبله، فراحت تطلب المزيد من فضله قائلة: والعافين عن الناس. فأجابها الامام بلطف: عفا الله عنك. وراحت الجارية الذكية تلتمس من الامام اللطف والفضل قائلة: والله يحب المحسنين. فقابلها(ع) بمزيد من الاحسان قائلاً: اذهبي فانت حرة.
ومن بوادر حلم الامام زين العابدين علي بن الحسين(ع) ايضاً ان شخصاً عديم الاخلاق قابل الامام بالسب والشتم بلا سبب فاجابه الامام(ع) بلطف قائلاً: يا فتى بين ايدينا عقبة كؤوداً، فان جزت منها فلا ابالي بما تقول وان اتحير فيها فانا شر مما تقول. ولم ينزعج الامام من هراء الشخص الذي انعدمت منه الاخلاق والآداب.
وكان من عظيم حلم السجاد(ع) انه خرج من المسجد فاسرع شخص فسبه واراد الحاضرون الانتقام منه، فنهاهم الامام واقبل صوب الرجل وقابله ببسمات فياضة بالبشر قائلاً: (ما ستره الله عنك اكثر، الك حاجة نعينك عليها)؟ وعندما رأى الرجل هذه الاخلاق العظيمة خجل وود لو ان الارض قد وارته، واشفق عليه الامام(ع) فالقى عليه خميصة كانت عليه "والخميصة ثوب اسود" وامر له بالف درهم واهتدى الرجل، فكان اذا رأى الامام قابله بمزيد من الاحتفاء والتكريم قائلاً له: انك من اولاد الانبياء.
اجل ـ مستمعي الكريم ـ لقد كان ذلك التصرف الحكيم من قبل الامام السجاد(ع) مصداقاً لقول الله تعالى في القرآن المجيد:«ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».
وختاماً ـ ايها الاعزاء ـ نشكركم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء وجزاكم الله خير الجزاء. وحتى اللقاء المقبل نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******