وصلى الله على سيدنا وحبيب قلوبنا محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الميامين.
السلام عليكم ـ مستمعينا الاعزاء ـ ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا نرجو ان تقضوا معه وقتاً طيباً ونافعاً.
مستمعينا الافاضل ـ لقد كان من بوادر جود وسخاء امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) انه لما قسم بيت مال البصرة على جيشه لحق كل واحد منهم خمسمئة دينار واخذ هو مثل ذلك فجاءه شخص لم يحضر الواعة فقال له: كنت شاهداً معكم بقلبي وان غاب عنك جسمي فاعطني من الفيء شيئاً، فأعطاه(ع) ما اخذه لنفسه ورجع عليه السلام ولم يصب من الفيء شيئاً.
ومن سخائه(ع) ما رواه المعلى بن خنيس عن الامام الصادق(ع) قال: ان علياً(ع) اتى ظلة بني ساعدة وكانت السماء قد امطرت وهو يحمل جراباً فيه الخبز فمر على قوم نيام وهم من الفقراء فجعل يدس الرغيف والرغيفين تحت فراشهم حتى اتى على آخرهم ثم انصرف. وخرج الامام علي(ع) في مرة من المرات وهو يحمل على ظهره قربة وفي يده صحفة وهو يقول: (اللهم ولي المؤمنين واله المؤمنين وجار المؤمنين، اقبل قرباتي الليلة فما امسيت املك سوى ما في صحفتي وغير ما يواريني، فانك تعلم اني منعته نفسي مع شدة سغبي في طلب القربة اليك غنماً، اللهم فلا تخلق وجهي ولا ترد دعوتي)، واخذ(ع) يطعم الفقراء. وكان الامام علي(ع) عنده اربعة دراهم فتصدق بواحد منها ليلاً وبالثاني نهاراً وبالثالث سراً وبالرابع علانية فنزلت فيه الاية الكريمة: «الذين ينفقون اموالهم بالليل» (البقرة، 274).
وكان احد الفقراء في عهد النبي(ص) ساكناً في دار ضيقة وبجوارها حديقة لشخص غني بخيل وفيها نخيل يتساقط بعض ثمرها على دار الفقير فيبادر الجار البخيل الى اخذ التمر من افواه الاطفال، فشكا الفقير ذلك الى النبي(ص)، فبعث خلفه وطلب منه ان يبيعها عليه، ويأخذ عوضها بستاناًُ في الجنة فابى "ذلك البخيل البائس" وقال: لا ابيع عاجلاً بآجل ولم يستجب للنبي(ص)، واخبر النبي الامام علياً(ع) بذلك فبادر الى الرجل وطلب منه ان يبيع بستانه عليه، فاستجاب له بشرط ان يعطيه عوضها بستاناً للامام، فأجابه الى ذلك وباعها عليه وبادر الامام(ع) فوهب البستان للفقير.
نعم مستمعينا الاكارم ـ لقد كان أمير المؤمنين علي(ع) اسخى الناس كما يقول الشعبي وكان على الخلق الذي يحبه الله تعالى وهو السخاء والجود، ما قال لا لسائل قط.
نعم ـ مستمعي الكريم ـ انه اخو الرسول وزوج الطاهرة البتول وابو الائمة الميامين فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
مستمعينا الافاضل ـ من المناهج الاخلاقية التي اكدها الامام موسى بن جعفر الكاظم(ع) ايثار الحق حيث قال: (قل الحق وان كان فيه هلاكك فان فيه نجاتك ودع الباطل وان كان فيه نجاتك فان فيه هلاكك).
وكان الكاظم(ع) يوصي اصحابه بقول الخير واسدائه الى الناس. فقد قال(ع) للفضل بن يونس (ابلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن امَّعةً) فانبرى الفضل قائلاً: ما الامعة؟
فأجابه الامام(ع): لا تقل انا مع الناس وانا كواحد من الناس، ان رسول الله(ص) قال: ايها الناس انما هما نجدان "والنجد هو الطريق الواضح المرتفع" نجد خير ونجد شر، فلا يكون نجد الشر احب اليكم من نجد الخير.
مستمعينا الكرام ـ لقد كان من سموِّ اخلاق الامام علي بن موسى الرضا(ع) انه اذا جلس على مائدته اجلس عليها مماليكه حتى السايس والبواب، وقد ضرب بذلك مثلاً رائعاً لالغاء التمايز بين الناس، وانهم جميعاً على صعيد واحد لا فرق لاحد منهم على الآخر الا بالتقوى.
قال للامام الرضا(ع) رجل والله ما على وجه الارض اشرف منك فاجابه الامام(ع) قائلاً: التقوى شرفتهم، وطاعة الله احظتهم. وقال له رجل: انت والله خير الناس، فرد عليه الامام(ع) قائلاً: يا هذا خير مني من كان اتقى لله عز وجل واطوع له والله مانسخت هذه الآية: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم» (الحجرات، 13).
وهكذا ـ مستمعي الكريم ـ كان الامام الرضا(ع) قد تنكر لجميع مظاهر التعالي والتفوق على خلق الله تعالى، وهذه هي سيرة جده رسول الله(ص) وسيرة آبائه العظام الذين اعرضوا عن زهو الدنيا وزخرفها.
مستمعينا الاعزاء ـ لقد كان الامام محمد الجواد(ع) شاباً في مقتبل العمر وقد اعرض عن زينة الحياة الدنيا ونبذ جميع مباهجها ورغائبها ولم يقم للدنيا أي وزن، وكانت ترد له الاموال الوافرة من الحقوق الشرعية ومن واردات الاوقاف وغيرها الا انه لم ينفق شيئاً منها في اموره الخاصة وانما كان ينفقها على الفقراء والمحتاجين وقد رآه الحسين المكاري في بغداد وكان محاطاً بهالة من التعظيم من قبل الاوساط الرسمية والشعبية فحدثته نفسه ان الامام لن يرجع الى وطنه وسيقيم في بغداد منعماً، وقرأ الامام(ع)ما في نفسه فقال له: (يا حسين خبز الشعير وملح الجريش في حرم جدي رسول الله(ص) احب الي مما تراني فيه).
اجل لم يكن الامام(ع) من عشاق الملك والعظمة وانما كان كآبائه المتقين(ع) الذين طلقوا الدنيا ثلاثاً واتجهوا صوب الحق تعالى.
وختاماً ـ ايها الاحبة الكرام ـ نشكركم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******