سواء كان فصل الشتاء أو الصيف، ففي كل الفصول تقريبا يعاني العراقيون من مشكلة انقطاع الكهرباء الشديد.
برأيك لماذا أصبح التيار الكهربائي في العراق يواجه مشكلة كهذه ؟ ومن المسؤول عن الإنقطاع المتكرر للكهرباء في العراق؟ إيران؟ أمريكا؟ أم فساد حكومي؟.
دعونا نراجع الأمر:
أنفقت الحكومة العراقية أكثر من 80 مليار دولار منذ عام 2003 لمعالجة مشكلة نقص الكهرباء، ولكن المشكلة لا تزال قائمة. منذ نحو 14 عاماً يستورد العراق الغاز من إيران لحل مشكلة توليد الكهرباء. وفي عام 2011، تم توقيع أول عقد لتصدير الغاز الإيراني إلى العراق لتوريد 20 مليار متر مكعب سنويا، العقد الذي تم تجديده في عام 2017. ومع ذلك، ظلت إيرادات العراق في السنوات الأخيرة أقل من المستوى المتفق عليه.
على سبيل المثال، في عام 2023، استورد العراق 7.3 مليار متر مكعب فقط من إيران، وهو أقل من 50 في المائة من الكمية المتفق عليها. ولكن رغم حاجة العراق لاستيراد الغاز، لماذا استورد العراق كمية أقل بكثير من المتفق عليها؟ هل تواجه إيران نقصاً في احتياطيات الغاز أو إنتاجه، أم أن هناك سبباً آخر؟ز
تشير الدراسات الإحصائية إلى أن إيران تحتل المرتبة الثانية من حيث موارد الغاز، حيث تمتلك 17% من احتياطيات الغاز المعروفة في العالم. كما ذكر التقرير السنوي لشركة بريتيش بتروليوم أن إيران بإنتاجها 259 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في عام 2022، احتلت المرتبة الثالثة بين أكبر منتجي الغاز في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا.
في مثل هكذا ظروف يأتي عقد الغاز بين إيران والعراق من أجل توريد 20 مليار متر مكعب سنويا، وهو ما يعادل 8% فقط من إنتاج الغاز الإيراني؛ ولذلك، تستطيع إيران تزويد العراق بالغاز الذي يحتاجه دون أي مشاكل.
إذن ما هي المشكلة؟ لماذا يتكرر قطع صادرات الغاز الإيراني إلى العراق؟.
تشير التحقيقات إلى أن العراق غير مسوح له بدفع ثمن الغاز والكهرباء المستوردة من إيران وذلك بسبب هيمنة أميركا على الشبكة المالية والمصرفية العراقية؛ كما أن الأموال الناتجة عن صادرات الغاز الإيراني محجوزة في بنك TBI أي المصرف العراقي للتجارة .
في هذا السياق، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في لقاء مع شبكة العراقية يوم 12 يوليو/تموز 2023: "إيران تعطينا الغاز دون أن تتلقى أي أموال" مضيفا أنه تم حجز الـ 11 مليار يورو التي دفعناها لهم من أموال الغاز في بنك TBI وهم لا يستطيعون سحبها بسبب العقوبات".
لقد أدت هذه القضية إلى تثبيط عزيمة إيران عن تصدير غازها إلى العراق؛ لأن إيران، بصناعاتها الكبيرة في البتروكيماويات والصلب، تستطيع تحويل الغاز الذي تنتجه إلى منتجات مختلفة داخل البلاد، وتحقيق دخل كبير من النقد الأجنبي من خلال تصدير هذه المنتجات.
إن عرقلة أميركا للتجارة الحرة بين إيران والعراق وعدم اكتراث أميركا بالاحتياجات الحالية للشعب العراقي، أجبر الحكومة على اللجوء إلى تركمانستان للحصول على إمداداتها من الغاز. لكن العراق يحتاج أيضاً إلى استخدام شبكة خطوط الأنابيب الإيرانية لاستيراد الغاز من تركمانستان. ولتحقيق هذه الغاية، تضطر الحكومة العراقية، بالإضافة إلى دفع تكاليف شراء الغاز من تركمانستان، إلى دفع 20% من تكاليف نقل الغاز إلى إيران، وهذا يوضح كيف أن الوجود الأميركي في العراق يزيد من تكاليف الحكومة العراقية في توفير الكهرباء لشعبها ويقلل من مستوى رفاهيته.
لا تقتصر العرقلة الأميركية لإدارة العراق وتوفير احتياجاته على قضية شراء الغاز الإيراني. على سبيل المثال، في عام 2018 كانت شركة سيمنز الألمانية على وشك توقيع عقد بقيمة 15 مليار دولار مع الحكومة العراقية لتنفيذ الأنشطة التالية:
1) إنشاء 11 ألف ميغاواط من محطات الكهرباء الجديدة في العراق خلال أربع سنوات
2) تعهدت شركة سيمنز بتوفير 60 ألف فرصة عمل جديدة في قطاع الكهرباء
3) إعادة بناء خطوط نقل الطاقة الكهربائية العراقية لتقليل خسائر الشبكة
4) التدريب على المهارات اللازمة لإجراءات التحكم في شبكات الكهرباء
لكن الإدارة الأميركية ومن خلال ممارسة الضغوط على الحكومة العراقية، منعت توقيع هذا العقد. فقد كتبت صحيفة المدى العراقية أن الأميركيين أرسلوا رسالة إلى الحكومة العراقية مفادها أنهم لم يخسروا 7 آلاف من جنودهم أثناء الإطاحة بنظام صدام في عام 2003، حتى تربح الألمان. بعد إلغاء عقد شركة سيمنز مع العراق، وقعت شركة جنرال إلكتريك اتفاقيتين بقيمة 1.27 مليار دولار مع وزارة الكهرباء العراقية للقيام بالتدابير التالية:
1) مسئولية تحديث وصيانة محطات الكهرباء بطاقة إجمالية تصل إلى 6000 ميغاوات بميزانية 500 مليون دولار
2) 727 مليون دولار لربط شبكتي نقل الكهرباء العراقية والأردنية.
إن المقارنة بين الإجراءات التي تعهدت بها شركة سيمنز وجنرال إلكتريك تظهر بشكل جيد أن الخاسر الرئيسي من الضغوط السياسية الأميركية على الحكومة العراقية هو الشعب العراقي، الذي يعاني من انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي.
في الواقع، تواصل الإدارة الأميركية الضغط على العراق من خلال استخدام أدواتها السياسية والاقتصادية، فضلاً عن وجودها في البلاد لتصبح البلاد مرهونة بالشركات والسياسات الأميركية دون أن تتوجه إلى تنويع شركائها الاقتصاديين.
وقد أدى هذا النهج إلى منع العراق من اتخاذ قرارات مستقلة لتطوير بنيته التحتية، ونتيجة لذلك كانت عملية إعادة إعمار البلاد بطيئة وتواجه العديد من التحديات.