نحن الآن مع مقطع جديد من الزيارة الجامعة للائمة عليهم السلام، ونعني بها: الزيارة التي يُطلق عليها اسم (الجامعة الكبيرة) يقول المقطع عن الائمة عليهم السلام (إن ذ ُكِر الخير كنتم اوله واصله وفرعه) ثم يقول: (ومعدنه ومأواه ومنتهاه).
لقد حدثناك عن هذه المقطع، ولكننا لم نحدثك عن موضوعاته جميعاً، بل حدثناك عن الظواهر الاولى، وهي انهم عليهم السلام (اول الخير واصله وفرعه)، وبينا في حينه النكات المتنوعة لدلالاتها، اما الان فنحدثك عن المقصود من الكلمات الثلاث الخيرة وهي: انهم عليهم السلام (معدن الخير، ومأواه، ومنتهاه)، ولكن بعد ان نستمع لما يقوله ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي عن علاقتهم (عليهم السلام) بضد الخير اي الشر اعاذنا الله واياكم منه، فكيف هي مع الاتصال الهاتفي التالي:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احباءنا شكراً لكم على طيب متابعتكم لهذا البرنامج ومنه هذه الفقرة والتي نلتقي فيها عبر الهاتف بخبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ في الحلقة السابقة تفضلتم مشكورين في بيان العلاقة بين ائمة الهدى عليهم السلام وظاهرة الخير في عالم الوجود بدءاً واستمراراً، سؤالنا الان على الطرف الآخر ما هي علاقتهم عليهم السلام بظاهرة الشر اعاذنا الله واياكم منه؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، بلا شك ان الشر هو صورة وتجسد حقيقي لاعداء اهل البيت يعني الطرف المقابل لأهل البيت عليهم السلام هو في الحقيقة اذا تجسد يتجسد للشر وما يتفرع من الشر ومن هنا اذا نتذكر الحديث المروي عن الامام الصادق عليه السلام حيث قال وعدونا اصل كل شر ومن فروعهم كل قبيح وفاحشة فهم الكذب والنميمة والبخل والقطيعة واكل الربا واكل مال اليتيم بغير حق، بالنتيجة الامام ذكر بعض المصاديق، وبالنتيجة يقول الامام وكل ما ذكر في ذيل الرواية وكل ما ذكر من القبيح والكذب فهو متعلق بفروع غيرنا، اذن اذا اردنا ان نعرف محور الشر ومن هو الشر في الحقيقة هو الطرف المقابل لاهل البيت عليهم السلام لانهم هم اهل كل خير ومعدنه ومأواه ومنتهاه فكل شر في الحقيقة هو يتجسد في الطرف المقابل المعادي لاهل البيت عليهم السلام، وهناك نص اخر عن الامام الصادق عليه السلام وعدونا اصل الشر وفروعه معصية الله أي كلما عفي به الله عز وجل في الحقيقة فهو من الشر وهو من الطرف المقابل لاهل البيت عليهم السلام، او بمعنى آخر هو من اعداء اهل البيت لان اهل البيت عليهم السلام هم خير محض فمن انحرف عنهم ولم يأخذ منهم وعنهم ولم يواليهم ولم يحبهم والى اخره من هذه الامور، فبلا شك مئاله الى الشر ويتجسد في الشر وبالتالي الامور تعرف باضدادها فاذا عرفنا الخير وان الخير هم محمد وآل محمد صلوات الله عليهم اجمعين وما ورد عنهم من التعاليم ومن السنن ومن الاحكام ومن الآداب والشريعة والاوامر وسيرته سيرة حسنة في الناس بلا شك سوف نعرف ان اعدائهم هم في الحقيقة اصل الشر واصل المعاصي والقبائح اعاذنا الله واياكم وجميع المؤمنين منها، والحمد لله رب العالمين.
المحاور: الحمد لله سماحة الشيخ فيما يرتبط بعلاقة اهل البيت سلام الله عليهم بدفع الشر ما هو دورهم في هذا المجال؟
الشيخ باقر الصادقي: من ناحية دفع الشر هناك نصوص كثيرة يعني الارتباط بهم وحبهم وولايتهم بلا شك تبعد الانسان عن الشر وبنفس الولاية هذه الله عز وجل يدفع عن الانسان المخاطر، هناك دعاء يقرأ في الصباح والمساء وقد ذكره المحدث القمي وفيه اشارة "امسيت اللهم واصبحت اللهم معتصماً بذمامك المنيع الذي لا يطاول من شر كل غاشم وطارق"، ألى ان يقول ولاء اهل بيت نبيك، يعني هذا الشر الذي هو يدفع عني والتجأ الى الله عز وجل كل هذا الرابط هو ولاء اهل البيت عليهم السلام، حينما نرتبط بولاية اهل البيت ونأخذ عنهم ونحبهم ونواليهم بلا شك هذا يكون سبب لابتعادنا عن الشر ويدفع الشر عنا كذلك ببركتهم.
المحاور: رزقنا الله واياكم ذلك سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً، وشكراً لكم احباءنا وتفضلوا بمتابعة ما تبقى من هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان وشرح الزيارة الجامعة.
*******
نعتزم لفت نظرك مستمعي الكريم الى ان هذه العبارة التي نقلناها في بداية اللقاء (مع وضوح دلالاتها الظاهرية) الا انها من العمق بمكان كبير، كيف ذلك؟
اولاً: نقف مع عبارة ان الائمة عليهم السلام هم (معدن الخير) ولعلك تتساءل عن (المعدن) وصلته بالائمة عليهم السلام من حيث سمة (الخير) اللتي خصتها الزيارة الائمة عليهم السلام به، ان المعدن هنا: استعارة فنية او لنقل: انها - من حيث صياغة الصورة الفنية - نطلق عليها اسم (التمثيل)، اي: التجسيد لدلالة معينة، ان (الخير) هو الحصيلة النهائية لكل كا هو ايجابي من الظاهر او القيم وهذا يعني ان النص عندما وَسَمَ الائمة عليهم السلام بانهم (معدن) الخير، فهذا يعني: ان كل ما هو ايجابي انما يستخلص من سلوك الائمة عليهم السلام، بصفة ان (المعدن) هو: ثروة مادية تُستثمَر لمنفعة الآخرين، وهكذا الائمة عليهم السلام، انهم معدن الخير بحيث ان المنتمي الى خطهم ينتفع بهم وبمبادئهم التي رسمها الله تعالى لنبيه(ص) لهم، انهم اوصياء النبي(ص)، وهم احد الثقلين وهم اولو المر، وهم حجج الله تعالى. اذن المنتسب لمبادئهم هو المستثمر لكل ما هو خير.
ونتجه الى السمة الاخرى، وهي انهم عليهم السلام (مأوى) الخير، هنا نطرح السؤال الآتي: ان الامة عليهم السلام ما داموا (معدن)الخير، حينئذ فما دلالة انهم ايضاً (مأوى) الخير؟ اي ما معنى (المأوى) او ماذا نعني الاستعارة المذكورة او التمثيل المذكور؟
الجواب هو: ان (المأوى) هو: المكان الذي يستقر فيه الشخص، او المكان الذي يلجأ اليه الشخص ليتخذه مأوى له، وحينئذ فان الائمة عليهم السلام بالاضافة الى انهم (معدن) يُستثمر للخير، فانهم (مكان) يلجأ اليه الآخرون لاستثماره وبصفة ان (المكان) هو مساحة ثابتة ومستقرة يطمئن الانسان اليها عبر تنقلاته المتنوعة في مسيرة حياته، فأذا انتهى المكان به الى مكان (مأوى) اليه، حينئذ فأن الامن والاطمئنان والاستقرار يتحقق لديه بما لا يقترن بالمتاعب والمتاعب هي: ضياع الشخصية في مبادئها، حيث انه يقتاد الشخصية الى الهلاك في حالة ما اذا اضلت طريقها، ولم تأخذ المبادئ من معدنها ومكانها.
السمة الاخيرة للائمة عليهم السلام هي: انهم (منتهى) الخير وهذه السمة تتناسب تماماً مع مفهوم الخير، بصفة ان الخير درجات و مستويات وانماط متنوعة، ولذلك فان التحديد لما هو خير يظل مفتوحاً لا نهاية له، وهذا ما يجعل الشخصية الباحثة عن(الخير) في مفهومه النهائي محفوفا بالصعوبة، ولعل وقوفنا على مختلف مبادئ البشر: توضح لنا نسبية مفاهيم (الخير) وتفاوتها بين الناس، مما يعني ان الشخصية الاسلامية يتعين عليها الوقوف عندْ ما هو حاسم ونهائي من الخير بحيث لا وجود لسواه، وهذا ما يتمثل في مبادئ الائمة عليهم السلام، بصفة ان مبادئ الائمة عليهم السلام هي:
مبادئ الله تعالى ورسوله ، تبعا لما قرره الله تعالى من اطاعته تعالى واطاعة رسوله(ص) واطاعة اولي الامر وهم الائمة عليهم السلام.
اذن ان عبارة ان الائمة عليهم السلام هم (منتهى) الخير: تعني: ان التحديد النهائي لمعنى (الخير) هو: مبادئ الائمة عليهم السلام بالنحو الذي اوضحناه.
ختاماً نساله تعالى ان يوفقنا الى الالتزام بمبادئه تعالى، ومبادئ النبي(ص)، ومبادئ الائمة عليهم السلام، انه وليّ التوفيق.
*******