بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الودود الغفار، وأشرف صلواته على النبيّ المختار، وعلى آله الهداة الأبرار، مابقي الليل والنهار. إخوتنا الأعزة المؤمنين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في عودة إلى آية إكمال الدّين وإتمام النعمة، ذلك قوله تبارك وتعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً"، وقد سبق ذلك بقوله جلّ وعلا:"الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ"، وتلك هي الآية الثالثة من سورة المائدة توسّطت جملة من آيات الأحكام، في مسائل الحلال والحرام، في قضايا الصيد والطعام، في عبارة معترضة تركبت من جملتين: إحداهما تدلّ على ظهور هذا الدّين على الشرك وأمنه من المشركين، والثانية تبيّن كمال الدين وتمام النعمة ورضى الله عزوجلّ بالإسلام ديناً. ولكن يا ترى بماذا؟ هذا ما بين من ألسنة الروّاة وأقلام المفسرين، فلنقف عنده بعد هذه الوقفة القصيرة.
قال بعض أهل التفسير: لقد منّ الله جلّ وعلا على عباده أن أكمل لهم دينهم بحبّ عليّ عليه السلام، وأتمم عليهم نعمته بولاية عليّ عليه السلام، فقال: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي"، وذلك ما أكّده أبو سعيد الخدريّ بقوله: لمّا دعا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بيعة عليّ يوم غدير خمّ، نزلت هذه الآية، يعني بولاية عليّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمد لله على كمال الدين وتمام النعمة، ورضى الله برسالتي وولاية عليّ من بعدي. روى ذلك: الراونديّ في (قصص الأنبياء)، والحسكانيّ الحسني في (شواهد التنزيل)، والروايات الواردة بهذا المعنى من أن الإسلام بني على الخمس فوق حدّ التواتر، والسرّ في هذا الاهتمام من قبل الشرع بالولاية لأنها كالحياة لأصول التكاليف والشعائر التي بها قوام الدّين.
وعلى هذا أيّها الإخوة الأكارم، تكون الولاية أصلاً في الإسلام، وأمراً واجباً على المسلمين. يقول ابن البطريق: إعلم أنّ الله سبحانه وتعالى قد أبان فضل مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في هذه الآية، وذلك من طريق الحافظ الثقة، فضلاً عمّا ورد من طرق الشيعة، فيكون قد حصل إجماع الإسلام على ذلك، فتلقيه بالقبول هو من الفروض الواجبة، والأمور اللازمة، إذ هو من نصوص الوحي وخصوص النبيّ المتبع، وكذلك قول عمر بن الخطاب على ما في الروايات المتواترة: بخ بخ لك يا عليّ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، بإطلاق ذلك على سائر المؤمنين والمؤمنات، هو في غاية الوضوح أنّ من كان مؤمناً فعليّ مولاه، ومن لم يكن عليّ مولاه فليس بمؤمن. أجل، وقد وجبت لعليّ سلام الله عليه هذه المنزلة من الخلافة والوصاية لرسول الله صلى الله عليه وآله بعد وجوبها له من الله تعالى، بدليل قوله سبحانه: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ"(المائدة:٥٥). وقد أكّد المفسرون، مستندين إلى الرواة والمؤرخين وأهل السير والتراجم، أنّ الآية الشريفة هذه مختصة بالإمام علي عليه السلام.
وأمّا في ظل قول النبيّ صلى الله عليه وآله في مناسبة آية إكمال الدين وإتمام النعمة : من كنت مولاه، فعليّ مولاه. اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذن من خذله، فقد تزاحمت عنده الأخبار والروايات والتواريخ، وتوفرت عليه النقول من عشرات الطّرق عن عشرات الرواة في عشرات المؤلفات من كتب التفسير والحديث والسيرة والتاريخ. من ذلك: صحيح الترمذيّ، وصحيح ابن ماجة، والمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوريّ الشافعيّ، وتفسير الدرّ المنثور للسيوطيّ الشافعيّ ومسند أحمد بن حنبل، والتفسير الكبير للفخر الرازي، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي، وتاريخ بغداد للخطيب البغداديّ، والرياض النضرة لمحبّ الدين الطبري، والصواعق المحرقة لابن حجر، وكنز العمّال للمتقي الهنديّ، والإصابة في تمييز الصحابة للعسقلانيّ، ومجمع الزوائد للهيثميّ، وغيرها كثير بأسانيد كثيرة تنتهي إلى مشاهير الصحابة وهم عشراتٌ في روايتهم لسبب نزول آية إكمال الدين وإتمام النعمة. كان منهم: عمر بن الخطاب، والبراء بن عازب، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعمّار بن ياسر، وأبو ذر الغفاريّ، وأبو أيّوب الأنصاريّ، وعبد الله بن عمر، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وغيرهم كثير، فضلاً عن رجال من أهل بيت الرسالة، كلهم أجمعوا أنّ الآية نازلة في ولاية أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، ووصايته وخلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وبيعته يوم غدير خمّ حيث خطب النبيّ صلى الله عليه وآله خطبة طويلة دوّنت فيما يقرب من عشرين صفحة عن مصادر عديدة، جاء فيها قوله صلى الله عليه وآله: (فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم وليّاً، وإماماً مفترضاً طاعته. معاشر الناس، فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله. معاشر الناس، إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته. معاشر الناس، هذا عليّ أخي ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب الله عزوجل، والداعي إليه، والعامل بما يرضاه. اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، والعن من أنكره، واغضب على من جحد حقه. معاشر الناس، هذا عليّ أنصركم لي، وأحقكم بي، وأقربكم إليّ، وأعزكم عليّ. معاشر الناس، ألا وإني منذرٌ وعليّ هادي. معاشر الناس، إني نبيّ، وعليّ وصيّ. معاشر الناس، إن فضائل عليّ بن أبي طالب عند الله عزوجلّ، وقد أنزلها في القرآن، أكثر من أن أحصيها في مقام واحد، فمن أنبأكم بها وعرّفها فصدّقوه.