بسم الله الرحمن الرحيم .... الحمد لله على أسبغ نعمائه، في موالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه، وأزكى صلواته على المصطفى الهادي وعلى أوصيائه.
اخوتنا وأعزتنا الافاضل.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حيّاكم الله، وأهلاً بكم في لقائنا الطيب هذا معكم، وأفق اخر من آفاق الآيات النازلة في أميرالمؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، وهي تبلغ ثلاث مائة آية عند الصحابيّ المعروف عبدالله بن عباس الذي قال: ما نزل في أحد من الصحابة من كتاب الله تعالى ما نزل في عليّ. هكذا نقل الحسكانيّ الحنفيّ في كتابه (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل)، ثم نقل عن غيره أقلّ من ذلك، فمجاهد يقول: نزلت في عليّ سبعون آية لم يشركه فيها أحد. نعم، هكذا يرى مجاهدٌ، أنّ بعض الآيات كانت قد نزلت فيه عليه السلام وفي غيره، كعمه حمزة بن عبد المطلب، وأخيه جعفر الطيار، وآخرين من المؤمنين والشهداء، ولكنّ الآيات التي اختصّت بالإمام عليّ عليه السلام في نظر مجاهد قد بلغت سبعين آية شريفة مباركة، ولعلّ مجاهداً وغيره من الرواة المشهورين يرون من بين تلك الآيات التي خصّته سلام الله عليه وحده، قوله تبارك وتعالى: " الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" (سورة البقرة:الاية مئتان والرابعة والسبعون).
فذاك ابن عباس يقول في ظلّ هذه الآية الكريمة- كما ينقل الحبريّ في تفسيره-: نزلت في عليّ خاصة، في اربعة دنانير، (وفي بعض النصوص: في أربعة دراهم) كانت له عليه السلام، فتصدّق منها نهاراً وبعضها ليلاً، وبعضها سرّاً وبعضها علانية.
أو كما نقل الحافظ أبو نعيم الاصفهاني في كتابه (ما نزل من القرآن في عليّ) أنّ ابن عباس قال: نزلت الآية في عليّ بن ابي طالب (عليه السلام)، كانت معه اربعة دراهم، فأنفق بالليل درهماً وبالنهار درهماً وفي السرّ احداً وفي العلانية واحداً.
*******
أيها الإخوة الأكارم- إنّ الكرم خلق من أخلاق الله تعالى، إذ أكرم عباده حتى العصاة منهم، واحب هذه الصفة في خلقه وأثاب عليها حتى الحائدين عن الايمان ومدحها في الأولياء، من الانبياء والاوصياء، ومنهم أميرالمؤمنين علي عليه السلام، فأنزل فيه هذه الآية الشريفة آية الانفاق بالليل والنهار دواماً على هذه الحالة الانسانية العالية من حبّ المساكين والعطف عليهم، سراً وعلانية حسبما اقتضت الحكمة في اختلاف الحالات والمواقف، فكان ذلك صادراً من الامام عليّ ما جعل الآية تنزل وحياً على رسول الها (صلى الله عليه وآله)، فروى العياشيّ في تفسيره بإسناده عن ابي اسحاق، قال: كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام أربعة دراهم لم يملك غيرها، فتصدّق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سرّاً، وبدرهم علانية... فبلغ ذلك النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: يا علي، ما حملك على ما صنعت؟ قال: إنجاز موعود الله قال ابو اسحاق: فأنزل الله تبارك وتعالى: " الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ".
اما الشيخ المفيد، فله اسناد آخر في كتابه الاختصاص، ليذكر بعده أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "يا عليّ، ما عملت في ليلتك"، فقال (عليه السلام): "ولم يا رسول الله؟" فأجابه رسول الله بقوله: "نزلت فيك أربعة معان... فإنّ الله أنزل فيك ... "وتلا عليه الآية.
*******
وقد يطالب البعض –إخوتنا الاحبة- غير هذا الراوي، وغير ذلك المصدر الناقل فنضطرّ الى أن نذكر أنّ رواية الانفاق ليلاً ونهاراً، علانية وسراً، وقد اختصّت بأميرالمؤمنين عليّ (عليه السلام)، أوردتها كتب المناقب عن ابن عباس، والسديّ، ومجاهد، والكلبيّ، وأبي صالح، والواحديّ، والثعلبيّ، والطوسيّ، والماورديّ، والقشيريّ، والثماليّ، والفتال النيسابوريّ في رواياتهم وتفاسيرهم، حتى ذكر بعضهم أن الدراهم الاربعة التي أنفقها عليّ (عليه السلام) كانت دراهم فضة، وقد قال النطنزيّ في كتابه (الخصائص) لدى تعليقه على الخبر: فسمّى الله كلّ درهم مالاً في قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم) وبشر علياً بالقبول.
كذلك أورده: ابن كثير في تفسيره في ظل الآية المباركة، والخوارزمي الحنفيّ في (المناقب) وابن المغازليّ الشافعي في (مناقب عليّ بن ابي طالب)، والثعلبيّ في تفسيره والطبرانيّ في (المعجم الكبير)، وابن الاثير في (أسد الغابة) والهيثميّ في (مجمع الزوائد) ومحبّ الدين الطبريّ في (الرياض النضيرة)، والفخر الرازيّ في (التفسير الكبير)... وآخرون في مصادر أخرى.
والى لقاء طيب آخر معكم –ايها الاخوة الاحبة- نستودعكم الله تعالى، ونرجو لكم أهنا الساعات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******