واكتشف المنظار الخارق «جيمس ويب» التابع لوكالة ناسا المجرة القديمة والتي تشكلت بعد 430 مليون سنة فقط من الانفجار الكبير، والانفجار الكبير هو الذي يسود الاعتقاد أنه كان بداية خلق الكون قبل مئات الملايين أو ربما مليارات السنين.
وقال تقرير نشرته جريدة «دايلي ميل» البريطانية، إن التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» قام بفحص مجرة تشكلت بعد 430 مليون سنة فقط من الانفجار الكبير، وفي حال كان العلماء على حق فهذه المجرة هي واحدة من أقدم المجرات الموجودة على الإطلاق، ويمكن أن تكون حضانة لنجوم المجموعة الثالثة القديمة – وهي الكأس المقدسة لعلم الفلك الحديث.
وتحتوي المجرة، المسماة «GN-z11» على ثقب أسود هائل في مركزها يزن ما يعادل 2 مليون شمس. ويأتي سطوعه الاستثنائي من جميع المواد الساخنة والثقيلة التي يمتصها الثقب الأسود. وتم إطلاق تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي في عام 2021 لجمع الضوء الخافت من النجوم البعيدة، وهذا يعطينا لمحة عن الأيام الأولى لتكوين الكون، منذ حوالي 13.8 مليار سنة.
ويشير الاكتشاف الجديد إلى أن التلسكوب الفضائي مجهز جيداً للوفاء بوعوده، وتم رصد المجرة لأول مرة في عام 2015 بواسطة تلسكوب هابل الفضائي. والمجرة «GN-z11» أكثر سطوعاً من النجوم والمجرات الأخرى القريبة.
وفي ذلك الوقت، كان بإمكان العلماء أن يقولوا أنه كان استثنائياً، لكن تلسكوب هابل الفضائي لم يكن قوياً بما يكفي لمساعدتهم على تفسير السبب.
ويزعم علماء الفلك الآن أن جزءاً من سطوعها هو أن المجرة تحتوي ثقباً أسود مركزياً فائق الكتلة تبلغ كتلته مليوني ضعف كتلة شمسنا. ويقولون إنها مادة تتراكم بسرعة، لذا تبدو المنطقة المحيطة بالثقب الأسود مشرقة بشكل استثنائي.
وتُعد المجرة «GN-z11» أيضاً الثقب الأسود فائق الكتلة الأكثر بُعداً الذي وصفه علماء الفلك على الإطلاق.
وقال العالم الرئيسي روبرتو مايولينو، أستاذ الفيزياء الفلكية التجريبية بجامعة كامبريدج، في بيان: «لقد وجدنا غازًا كثيفًا للغاية وهو شائع في المنطقة المجاورة للثقوب السوداء فائقة الكتلة التي تتراكم الغاز».
وقال: «كانت هذه أول الدلائل الواضحة على أن GN-z11 يستضيف ثقبًا أسود يلتهم المادة».
وحددت كاميرا تعمل بالأشعة تحت الحمراء تابعة للتلسكوب موقع المجرة الجديدة، إلا أن الصور الجديدة من تلسكوب جيمس ويب الفضائي لا تبدو بنفس مستوى التفاصيل مثل صورة هابل لعام 2015 ولكن بينما التقط هابل الضوء فوق البنفسجي، كان تلسكوب جيمس ويب الفضائي قادراً على إظهار الأشعة تحت الحمراء.
والأشعة تحت الحمراء هي نوع من الضوء يبلغ طوله الموجي ضعف طول الأشعة فوق البنفسجية تقريباً، وهذا مهم في هذه الحالة لأنه كانت هناك بعض الأدلة حول «GN-z11» التي أغفلها هابل لأنه لا يمكن رؤيتها إلا بالأشعة تحت الحمراء.
وكشفت الكاميرا عن عناصر كيميائية متأينة، والتي غالباً ما تكون علامة على وجود ثقوب سوداء فائقة الكتلة تعمل على تراكم المواد. وإلى جانب هذا لاحظ العلماء أيضاً «رياحاً قوية» تهب على المجرة بسرعة 800 إلى 1000 كيلومتر في الثانية.
وقالت هانا أوبلر، المؤلفة المشاركة في الدراسة، إن هذا أيضاً علامة نموذجية للثقب الأسود الهائل.
وأضافت: «لقد كشفت كاميرا الأشعة تحت الحمراء عن مكون ممتد، يتتبع المجرة، ومصدر مركزي مضغوط تتوافق ألوانه مع ألوان القرص المتنامي المحيط بثقب أسود».
وتفسر هذه العوامل مجتمعة السطوع غير العادي للمجرة المكتشفة التي تحمل الاسم «GN-z11».
واستخدم فريق آخر أداة التلسكوب لاكتشاف كتلة من غاز الهيليوم المحيطة بالمجرة. وقال مايولينو: «حقيقة أننا لا نرى أي شيء آخر غير الهيليوم يشير إلى أن هذه الكتلة يجب أن تكون نقية إلى حد ما».
وأضاف: «هذا شيء كان متوقعاً من خلال النظرية وعمليات المحاكاة في محيط المجرات الضخمة بشكل خاص من هذه العصور، حيث يجب أن تكون هناك جيوب من الغاز الأصلي باقية في الهالة، وقد تنهار هذه الجيوب وتشكل عناقيد نجمية من المجموعة الثالثة».
وكانت نجوم المجموعة الثالثة من أولى نجوم الكون، المكونة من الهيليوم والهيدروجين. واستناداً إلى حقيقة أن العلماء لاحظوا الهيليوم ولا شيء غيره، فإنهم يعتقدون أنهم عثروا على أحد هذه الكؤوس المقدسة في علم الفلك.
وتشكلت نجوم المجموعة الثالثة حول نقطة التحول في الكون المبكر، عندما كان يتحول من التبسيط والفوضى إلى التعقيد والنظام.
ويقول بعض علماء الفلك إن تلسكوب جيمس ويب الفضائي يكشف عن تفاصيل حول الكون المبكر والتي تقلب فهمنا للفيزياء الفلكية، إلا أن علماء آخرين لا يتفقون مع ذلك.
وقام فريق من الباحثين بمقارنة الصور التي التقطها تلسكوب جيمس ويب الفضائي مع الصور المماثلة التي التقطها تلسكوب هابل الفضائي الأقدم، وخلصوا إلى أنه ليس الوقت المناسب للتخلص من قواعد الفيزياء الفلكية.
وبدلاً من ذلك، يقترحون أن النتائج التي توصل إليها التلسكوبان الفضائيان متوافقة، طالما أن العلماء على استعداد للبحث عن تفسيرات تقليدية.
وعلى سبيل المثال، يعتقد العلماء أن بعض ظروف الكون المبكر التي لم يتم فهمها بعد هي التي مكّنت من تكوين نجوم أكثر سطوعاً.