دوافع ومبررات الغرب في التخويف من ايران سياسية بحتة وكان الهدف الوحيد منها هو الضغط عليها للجلوس على طاولة المفاوضات النووية والدليل على ذلك انه تخلص من هذه العقدة عندما أبرم الاتفاق النووي معها في 2015، غير أن تمسك بعض المسلمين والعرب بهذه العقدة دليل على أن دوافعهم ومبرراتهم في هذه العقدة تختلف عن دوافع الغرب الذي تبنى وابتكر (ايرانفوبيا).
بعض حكومات العرب والمسلمين وسّعت وطوّرت الهدف من (ايرانفوبيا) من سياسي ويتعلق ببرنامجها النووي الى طائفي وعنصري، ولذلك نرى انها لم تتخل عن انتقادها لايران رغم التوقيع على الاتفاق النووي، مما يشير الى انها تريد تحقيق غايات أخرى من إبداء العداء لايران.
وبما أن المفاوضات النووية مع ايران تزامنت مع ثورات بعض البلدان العربية لذلك فان بعض الحكومات العربية اثارت الموضوع الطائفي والتخويف من ايران والشيعة لتضمن دعم الشعوب العربية التي أغلبها من السنة لها، وظهور داعش والتكفيريين في تلك الفترة١ وعلو صوتهم على سائر الأصوات يعزز فكرة منع سقوط بعض الحكومات العربية عبر تأليب السنة على الشيعة لضمان ولائهم للسلطات الحاكمة عبر الخطاب الذي تبنته داعش وكذلك فتاوى التكفير التي صدرت والمواقف الطائفية التي تبنتها بعض الحكومات.
جاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليغذي رغبة هذه الدول التي توقفت نتيجة توقيع الرئيس الأميركي السابق أوباما للاتفاق النووي، غير أن العقدة من ايران تحولت الى تحد كبير للحكومات التي تمسكت بها ولم تغادرها بعد الاتفاق النووي، فتسببت بالانشقاق الطائفي لمجتمعاتها، وزاد نفوذ وخطر الارهابيين والتكفيريين، وادى الى اهمال الدول للتنمية والتطوير نتيجة انشغالها بالانتقاد الدائم لايران، والى استغلال بعض القوى العالمية للقطيعة بين بعض الدول وايران فسعت لابتزاز هذه الدول.
برزت العقدة من ايران بشكل واضح وجلي خلال زيارة الرئيس الايراني للعراق، فقد هاجم البعض روحاني وايران، لا لشيء سوى لأنه يبغض الايرانيين، بينما الحب والبغض لا ينبغي أن يكون سببا في تحقيق المصالح، هذا في الوقت الذي تعاني فيه معظم دول المنطقة من مشاكل وأزمات اقتصادية واجتماعية نتيجة الهوة التي أوجدتها بعض الحكومات.
البعض هاجم الاتفاقيات التي وقعها العراق مع ايران خلال زيارة روحاني رغم أن فائدة الاتفاقيات تعود على البلدين، بينما لاذ بالصمت ولم ينبس ببنت شفة عندما اتفقت الحكومة العراقية مع الأردنية على اعفاء المنتجات الاردنية من جميع الضرائب والجمارك، كما أن النفط العراقي يباع للأردن بسعر منخفض جدا، ويعود السبب في ذلك الى أن حكومة ترامب عندما قررت وقف مساعداتها المالية للاردن طلبت من الحكومة العراقية التعويض عن هذه المساعدات باعفاء البضاعات الاردنية من الضرائب وبيع النفط بسعر منخفض.
الصورة التي عكستها بعض وسائل الاعلام عن زيارة روحاني لبغداد هي أن ايران جاءت لاستغلال العراق ليخلصها من المشاكل التي تعانيها نتيجة الحظر، وقالت ان الزيارة والعلاقات تضر بمصالح العراق وانها ستوتر العلاقات العراقية – الاميركية، بينما وسائل الاعلام هذه التي تظهر حرصها على العراق كانت بالامس القريب تحرض على الحرب الاهلية والطائفية في العراق، وكانت تسعى الى شق صفوف العراقيين واثارة الفتن بينهم وتشويه صورة الحشد الشعبي والترويج للاكاذيب والافتراءات.
وفي الوقت الذي كان من المفترض فيه أن يغرس الايرانيون في نفوسهم هذه العقدة من العرب نتيجة تحالف حكوماتهم في السابق مع نظام صدام وتحالفها الحالي مع ترامب ونتنياهو ضدهم، إلا أننا لا نجد هذه الضغينة لدى معظمهم فضلا عن انعدامها في نفوس مسؤوليهم.
يقول مستشار الأمن السعودي السابق الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز في مقابلة مع اندبندت، “لم تحقد طهران علينا رغم دعمنا الكبير الذي قدمناه لصدام حسين في حربه ضد ايران”.
ربما السبب في التقدم الذي تشهده ايران في العديد من المجالات يعود الى أنها لا تجعل واقعها سجينا لأزمات اندلعت وانتهت أو حتى لازمات لاتزال مستمرة، وقد تجلى ذلك في الدعوات التي أطلقها مسؤولون ايرانيون تجاه دول عربية بضرورة تجاوز الماضي وفتح صفحة جديدة في العلاقات، ولكن للاسف فان هذه الدعوات لم تجد حتى الان اذان صاغية، ربما لأن التحريض الطائفي والتخويف من ايران لم يحقق كل النتائج المطلوبة.
كاتب ايراني / صالح القزويني