بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين على نعمائه سيما نعمة الهداية والإيمان، ثم أفضل الصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين.. أحبتنا المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة منه تعالى وبركات وأهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" حيث سنواصل فيها بيان آيات سورة الحديد المباركة، نبدأها بالإستماع الى تلاوة الآيتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين منها فكونوا معنا واصحبونا مشكورين..
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{21} مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{22}
أيها الأكارم، يكشف لنا التأمل في الآية الحادية والعشرين عن شروط السباق المعنوي وصفاته في القرآن الكريم، منها: صاحب الدعوة إلى السباق هو الله عزوجل وأن السباق مفتوح لكل من يرغب في المشاركة وليس لهذا السباق مكان أو زمان محدد.
أما كلمة "نبرأها" في الآية الثانية والعشرين، فهي بمعنى الإيجاد والخلق، ومنه "برأ النسمة" وتفيد هذه الآية أن الله سبحانه هو الذي خلق السماء والأرض، وهو الذي بإرادته ومشيئته يحدث ما يحدث فيها من مصائب وزلازل وما يترتب عليها من آثار وأضرار تصيب الإنسان والطبيعة.
ومن تعاليم هاتين الآيتين الشريفتين أولاً: عندما يرفض أمر قبيح لابد من استبداله وملء محله بأمر مطلوب ومرغوب فيه، فقد دعانا الله عزوجل إلى استبدال التفاخر بالأموال والأولاد إلى المسابقة إلى نيل الفضل والرحمة الإلهية.
ثانياً: ما يزيد في حسن الأفعال الحسنة، المسارعة إليها والمسابقة فيها.
ثالثاً: الإعراض عن الدنيا الضيقة ومتاعها القليل، أثره جنة عرضها السموات والأرض.
رابعاً: عالم الوجود كله خاضع لقواعد وقوانين دقيقة، مقررة قبل وقوعها.
خامساً: لا توجد حادثة تطرأ في عالم الإمكان تفاجئ الله سبحانه، ومن دون أن يكون على علم مسبق بها.
وسادساً: لا ينبغي أن يعجب الإنسان من إحاطة العلم الإلهي بكل ما يحدث في عالم الطبيعة من أحداث.
أما الآن، أيها المؤمنون، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيتين الثالثة والعشرين والرابعة والعشرين من سورة الحديد المباركة..
لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{23} الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{24}
أحبتنا الأكارم، جاءت كلمة "مختال" من الإختيال وهو التكبر المبني على توهم العظمة والكبر. فالآية الثالثة والعشرون بمثابة التعليل والتبرير للآية السابقة، والمعنى (أخبرناكم بكتابة الحوادث قبل وقوعها وتحققها؛ لئلا تحزنوا على ما فاتكم من النعم، ولا تفرحوا لما أعطاكم الله منها) فالمصائب والنعم أشبه بدرجات يستخدمها الإنسان للصعود إلى الأعلى، فلا ينبغي للإنسان أن يلتفت إلى لونها، بل عليه أن يستخدمها للوصول بها إلى مقصده.
وأما من أسباب البخل، هي الرغبة بالفخر والتفاخر على الآخرين، وذلك لأن نعم الله إذا كانت في أيدي جميع الناس، لا يبقى للبخيل ما يراه مميزاً له عن سائر الناس. وقد ورد عن الإمام علي (ع) أنه سأل إبنه الحسن (ع): ما الشح؟ فقال: (أن ترى ما في يدك شرفاً وما أنفقت تلفاً).
ومما نتعلمه من هاتين الآيتين الشريفتين أولاً: النعم من الله عزوجل، ولكن سلب النعم لا ينسب إليه سبحانه.
ثانياً: الشخص الغافل عن المقدرات الإلهية يحسب أن النعم أعطيت له لإستحقاق أو لميزة تتوفر فيه دون غيره، فيفاخر بما أصاب من خير.
ثالثاً: البخل والدعوة إليه، من علامات المتكبرين وأهل الفخر.
رابعاً: المعصية تتحول إلى خطر أو يزداد خطرها عندما تتحول إلى طبع وعادة.
خامساً: البخل إعراض عن الله وأوامره.
وسادساً: الغنى لا يكفي ليكون الإنسان محبوباً، بل الحب بين الناس يحصل بالإحسان إليهم، من خلال الإنفاق أو الإقراض أو الأمر بهما. فبعض الناس أغنياء لكنهم لا يحمدون عند الناس، ولذلك وصف الله نفسه بأنه ليس غنياً فقط بل هو حميد أيضاً.
إخوة الإيمان، الى هنا وصلنا الى نهاية هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير ميسر لآيات القرآن العظيم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.