البث المباشر

ملامح الخائن في كلام النبي الأكرم (ص)!

الأحد 12 فبراير 2023 - 18:40 بتوقيت طهران
ملامح الخائن في كلام النبي الأكرم (ص)!

ما معنى الخيانة ومن هو الخائن؟ جاء عن رسول الله (ص): "أمَّا علامة الخائن فأربعة: عصيان الرَّحمن، وأذى الجيران، وبغض الأقران، والقرب إلى الطغيان"1.

وتفسير ذلك، أنَّ عقدة الخيانة المتأصّلة في الذات، تتمثَّل في عدم التزام الخائن بطاعة الله، وعدم مراقبته له، والجرأة على عصيانه، وعدم احترام جيرانه في الأخذ بأسباب الأمانة في علاقته بهم، فقد يستغلّ جواره لخيانتهم في أمورهم الخاصَّة، وإضمار العداوة والبغضاء لأقرانه من الناس، لأنَّه لا يعيش في ذاته معنى الحبّ والاحترام للآخرين، حتى لو كانوا قريبين إليه بفعل الصَّداقة والقرابة، لأنَّ نفسه مجبولة على المشاعر السلبيَّة ضدّهم، من خلال فقدان معنى القيمة الأخلاقيَّة في نفسه. ثم إنَّ هذا الشخص الذي يختزن الخيانة في فكره وسلوكه، يتحرك في موقع الطغيان في ذاته، فيكون قريباً من الطغيان، على أساس المشاكلة والمماثلة في الخلق السيّئ.

وجاء عن رسول الله (ص)، في اعتبار إفشاء الإنسان سرّ إخوانه الذي ائتمن عليه، لوناً من ألوان الخيانة، لما يترتَّب على ذلك من النتائج السلبيَّة التي قد تدمر الكثير من شؤونه الذاتيَّة والماليّة والعائليّة. وقد تربك أوضاعه، وقد تكون خيانة السرّ أكثر تأثيراً في الإضرار بالإنسان من خيانة المال... وهذا ما جاء عن رسول الله (ص): "إفشاء سرّ أخيك خيانة، فاجتنب ذلك"2.

وقد نستوحي من النَّهي عن ذلك، والأمر باجتنابه، النَّهي عن إفشاء سرّ القيادة الشرعيَّة فيما تخطّط له من حماية الأمَّة، في مخطَّطاتها السريَّة المتَّصلة بالأمن العام للنَّاس وللبلاد، أو إفشاء أسرار الوطن كلّه للأعداء، ويدخل في ذلك، الدَّخول في الأجهزة المخابراتيَّة للدول المعادية من الكافرين والمستكبرين لتقديم المعلومات الخفيَّة للقائمين عليها، بما يهدِّد أمنها ومصالحها العامَّة.

وهذا ما تشير إليه الكلمة المأثورة عن الإمام محمد بن عليّ الجواد (ع) قال: "كفى بالمرء خيانةً أن يكون أميناً للخونة"3.

وقد يتمثَّل ذلك، إضافةً إلى ما ذكرناه، بدخول الإنسان في الأجهزة الرسميَّة للظالمين والمستكبرين والخونة للأمَّة، من حيث مساعدته لهم في خيانتهم، وأمانته على مصالحهم وتنفيذ مخطَّطاتهم.

وقد تتمظهـر الخيانـة فـي بعـض حالات السلوك السلبي في العلاقة بالمؤمنين فيما يحتاجون إليه، فقد جاء عن الإمام جعفر الصَّادق (ع) في حديث لأبي هارون المكفوف: "يا أبا هارون، إنَّ الله تبارك وتعالى آلى على نفسه أن لا يجاوره خائن. قال: قلت: وما الخائن؟ قال: من ادَّخر عن مؤمن درهماً، أو حبس عنه شيئاً من أمر الدّنيا"4. وفي حديث آخر عنه (ع): "أيّما رجل من أصحابنا استعان به رجل من إخوانه في حاجة، فلم يبالغ فيها بكلِّ جهده، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين"5. وقد نفهم من ذلك، أنَّ الله جعل مسؤوليَّة المؤمن تجاه إخوانه، أن يبذل كلَّ طاقاته في سبيل سدِّ حاجتهم، وتخفيف مشاكلهم، كأمانة يحمِّلها الله له.

ولعلَّ ما يجمع ذلك كلَّه، هو ما ورد عن الإمام محمَّد الباقر (ع) في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(الأنفال: 27)، "فخيانة الله والرسول معصيتهما، وأمَّا خيانة الأمانة، فكلّ إنسان مأمون على ما افترض الله عزَّ وجلَّ عليه". وهذا هو ما يوحي للإنسان المؤمن، أنَّ مسؤوليَّته العامّة والخاصّة هي الأمانة التي أراد الله منه القيام بها والوفاء بها والحفاظ عليها.

وتمتدّ المسألة في نتائجها السيّئة وعواقبها الوخيمة إلى قضيَّة أمانة العلم، بتقديم حقائق المعرفة في كلّ ما يغني الطالب في فكره وحياته، من دون غشّ ولا باطل، فقد جاء عن رسول الله (ص): "تناصحوا في العلم، فإنَّ خيانة أحدكم في علمه أشدّ من خيانته في ماله"6.

ولعلَّ الأساس في ذلك، أنَّ الخيانة في العلم تكون بتقديم الباطل باسم الحقّ، والجهل باسم العلم، ما يؤدّي إلى دخول الإنسان في الأمور التي تترك تأثيراتها السلبيَّة على طريقته في التفكير، وعلى سلوكه في الحياة، لأنَّ حركة الإنسان في حياته وعلاقاته، خاضعة لما يحمله في فكره من أفكار صائبة أو مخطئة.

وقد جاء عن الإمام عليّ (ع) في تأثير الخيانة سلباً على علاقة الإنسان بالنَّاس، قال: "غاية الخيانة خيانة الخلّ الودود، ونقض العهود"7، ما يسيء إلى الواقع الخاصّ والعامّ، وقد يتعاظم الأمر عندما يصل إلى خيانة الأمَّة، فقد جاء عن عليّ (ع): "إنَّ أعظم الخيانة خيانة الأمَّة"8، لأنَّ ذلك قد يؤدِّي إلى تدمير القضايا الحيويَّة والمصيريَّة للأمّة كلّها.

وخلاصة الفكرة، أنّ الخيانة في كلّ مواقعها، تمثّل الانحراف الأخلاقي للإنسان عن خطّ الاستقامة للإيمان كلّه، في نفسه وفي علاقاته بالنَّاس.

 

* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.

السيد محمد حسين فضل الله

 

----------------------------------

[1]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج1، ص 836.

[2]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج74، ص 89.

[3]ميزان الحكمة، ج1، ص 853.

[4]بحار الأنوار، ج72، ص 173.

[5]بحار الأنوار، ج72، ص 175.

[6]بحار الأنوار، ج2، ص 70.

[7]ميزان الحكمة، ج1، ص 836.

[8]ميزان الحكمة، ج1، ص 836.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة