البث المباشر

التفسير الموجز للآيات 1 الى 14 من سورة الذاريات

السبت 24 أغسطس 2024 - 11:44 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 966

 

بسم الله الرحمن الرحيم.. والحمد لله رب العالمين حيث هدانا للإيمان وأزكى الصلاة وأتم التسليم على سيد الخلق أجمعين وخاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أحبتنا المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة منه تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم أينما كنتم وأنتم تستمعون الى حلقة جديدة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنبدأ فيها تفسير آيات سورة الذاريات المباركة.

أيها الأكارم، سميت سورة الذاريات بهذا الإسم بالنظر الى مطلعها أي الى قوله تعالى "والذاريات ذروا" والمراد من الذاريات هي الرياح القوية التي تطير بالأشياء من مكان الى آخر وتوزعها في أماكن شتى.

وتفتتح السورة وتختتم بالحديث عن المعاد، والتوحيد والأمارات الدالة على وجود الله تعالى.

بعد التمهيد الذي قدمناه لحضراتكم، ندعوكم الى الإستماع الى تلاوة مرتلة من الآيات الأولى حتى السادسة من سورة الذاريات المباركة ..

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً{1} فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً{2} فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً{3} فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً{4} إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ{5} وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ{6}

أيها الأفاضل، "الذاريات" كما أشرنا إليها في مطلع اللقاء، هي جمع ذارية وهي الرياح، وأذريت الشيء إذا ألقيته، مثل إلقائك الحب في التراب عند زراعته.

والوقر الحمل الثقيل، والمراد منه هنا الغيوم المثقلة بالماء. والجاريات هي السفن التي تجري في الأنهار و"اليسر" فهو السهولة، والمراد من "الجاريات يسراً" السفن التي تجري بيسر وسهولة.

ويقسم الله عزوجل في هذه الآيات بالرياح التي تحرك السفن، وبالغيوم التي تحمل المطر والبركة الى الأرض. ومن المعلوم أن الرياح والماء لهما دور مهم وأساس في حياة الإنسان على الأرض، فالرياح تحمل بخار الماء وتنشره في السماء لتنال كل قطعة من الأرض نصيبها من المطر، وهي أيضاً تنقل حبوب الطلع لتلقح الأشجار فتثمر.

وما نستنتجه من هذه الآيات المباركات أولاً: ينجز الله وعوده ويفعل ما يريد بالإنسان بواسطة الملائكة.

ثانياً: يلفت القرآن عناية الإنسان واهتمامه الى الأمور المحسوسة وغير المحسوسة، من أجل رفع مستوى الوعي والإدراك عنده بقوله تعالى (والذاريات.. فالمقسمات)

ثالثاً: الوعد بالمعاد يوم القيامة مستمر ومتتابع.

ورابعاً: ظواهر الكون الطبيعية وغير الطبيعية ليست من أجل بضع سنوات من الأكل يلحقها الموت والعدم، بل لأجل غايات أسمى وأجل من ذلك وهو تكامل الإنسان النفسي.

أما الآن، مستمعينا الأفاضل، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات السابعة حتى الحادية عشرة من سورة الذاريات المباركة..

وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ{7} إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ{8} يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ{9} قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ{10} الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ{11}

أيها الكرام "الحبك" جمع حبيكة، وذات الحبك أي ذات الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة.

وأما الخرص هو حرز الثمرة، وحقيقة ذلك أن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال خرص سواء كان مطابقاً للشيء أو مخالفاً له من حيث أن صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظن ولا سماع، بل اعتمد فيه على الظن والحدس كفعل الخارص في خرصه، وكل من قال قولاً على هذا النحو قد يسمى كاذباً وإن كان قوله مطابقاً للمقول المخبر عنه.

وأصل الغمر إزالة أثر الشيء ومنه قيل للماء الكثير الذي يزيل إثر سيله: غمر وغامر. والمراد به هنا الغرق في الجهل واستيلاؤه على الناس.

ومما تعلمه إيانا هذه الآيات الشريفات أولاً: من لا يملك منطقاً سليماً لا يستقر على رأي أو حال؛ ولذلك له في كل لحظة قول ورأي. ومن هنا، كان طريق الحق واحداً وطرق الباطل متعددة.

ثانياً: كل انحراف ومعصية يؤسس لإنحرافات ومعاص أخرى بتعبيره عزوجل (يؤفك عنه من أفك).

ثالثاً: على المجتمع الإسلامي أن يكون حازماً في موقفه من أهل الباطل.

ورابعاً: على الإنسان أن يعتمد على العلم والمعرفة، وليس على الظن والحدس.

والآن، أيها الأكارم، ننتقل وإياكم الى بيان الآيات الثانية عشرة حتى الرابعة عشرة من سورة الذاريات بعد الإستماع الى تلاوتها فابقوا معنا..

يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ{12} يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ{13} ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ{14}

أصل كلمة "الفتن" من الناحية اللغوية، أيها الأفاضل، هو إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته، واستعملت في الآية للتعبير عن شدة العذاب الذي يناله الكفار.

وتشير الآيات ملامح الأساس في شخصية أهل النار وهي التناقض في القول والرأي والإنحراف عن الحق والغرق في الجهل والغفلة والإعتماد على الظن والحدس والإستعجال من دون وعي أو معرفة بما يستعجل.

ومما نستقيه من هذه الآيات المباركات أولاً: لا مانع من السؤال بحثاً عن العلم والمعرفة؛ ولكن السؤال الذي يهدف الإستعجال أو الإستخفاف له حساب مختلف يستحق صاحبه التوبيخ واللوم.

ثانياً: ينبغي الحزم في مواجهة الذين ينكرون الحقائق الصحيحة.

ثالثاً: الإنسان هو الذي يصنع مصيره يوم القيامة بيديه.

ورابعاً: يجمع الله على الكفار عذابين يوم القيامة، فيعذب أجسامهم بالنار، ويعذب أرواحهم بالأمر بذوق العذاب.

أعاذنا الله وإياكم منه..

الى هنا، إخوتنا الأكارم، نصل الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فشكراً لحسن استماعكم وطيب متابعتكم والى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة