البث المباشر

الأدب العربي ومساوئ القصة الغربية -۱

الخميس 31 يناير 2019 - 19:44 بتوقيت طهران

الحلقة 187

لا ريب ان معيار اصالة اي نوع من انواع الأدب هو اقترابه من مقومات الأمة ‌التي نشأ فيها هذا الأدب، وحين تصدق هذه القاعدة‌ على الأدب الذي عرف بأدب المهجر تجده قد اقترب كثيراً عن واقع الأمة واصالتها بل وقف منها في كثير من الحالات موقف عداء يخدم أهداف الغزو الثقافي ودعوة الإغتراب والتغريب، وقد كان اللبنانيون الثلاثة جبران وميخائيل نعيمة وامين الريحاني هم أبرز من مثّل هذا الاتجاه المهجري التغريبي في الشكل والمضمون.
كان امين ريحاني احد اقطاب مدرسة المهجر فهو اول دعاة الشعر المنثور وقد تأثر فيه بالشاعر الامريكي ولت وايت من، هذا الاسلوب الذي تخلى عنه فيما بعد وتصدى له جبران خليل جبران وكان الهدف منه هو القضاء على عمود الشعر بالخروج عن الاوزان والقافية والأبحر ويحمل امين الريحاني نفس مفاهيم صاحبيه جبران ونعيمة في مهاجمته للعقائد والاخلاق وان عرف برحلاته في العالم العربي ومقابلاته لملوك العرب، والمعروف ان الريحاني حين قام برحلته الى العالم العربي كان يحمل توصيات الى القناصل الانجليزية لمساعدته ذلك انه كان يحمل لواء الدعوة الى حلف عربي يجمع ملوك الحجاز ونجد واليمن في امبراطورية عربية واحدة، وكان هذا المشروع اذ ذاك من آمال بريطانيا لمواجهة النفوذ الفرنسي الذي كان يزداد في سوريا ولبنان.
كان الريحاني كجبران عندما سافر الى امريكا سنة ۱۸۸۸ لم يكن يعرف غير اليسير من العربية فهو مثلاً يقول عن نفسه ما كان في ذهني من العرب واخبارهم غير ما كانت تسمعه الامهات في لبنان صغارهن اي التخويف من الأعراب فهاجرت من وطني وفي صدري الخوف من ان اتكلم لغتهم والبغض لمن في عروقه شيء من دمهم، وكان جبران على مثل هذا البغض يجحد العرب ويحتقر تراثهم كما يقول عيسى الناعوري، والواقع ان ما كان يمكن لمثل هؤلاء ان يكنوا للغتهم او وطنهم وهم يحتقرونها كل هذا الاحتقار، والمعروف ان المهجريين اعتمدوا لغة التوراة وهي ترجمة ضعيفة حرص اصحابها على وضعها بالعامية وكرهوا وضعها بالفصحى وهذا كان من شأنه ان يزحزح اذواق المهجريين عن اشراقة البيان العربي وكذلك كان الخلاف شديداً بين الريحاني وجبران ونعيمة، فما هو ميدان هذا الاختلاف؟
كان الريحاني يعيب على جبران ونعيمة هدر طاقاتهم الأدبية في فلسفات روحانية في حين كانت الاوضاع العربية في حاجة ملحة الى الاصلاح كما ذكر ذلك جورج صيدح في كتابه: «ادبنا وادباءنا في المهاجر الامريكية»، وعندما اتجه امين الريحاني الى الكتابة القومية كان يركز هجومه على الاستعمار الفرنسي دون الانجليزي وقد اختلف معه ايليا ابوماضي واتهمه بالتجسس للانجليز ومع هذا الريحاني متفق مع صاحبيه في آراءهما في مهاجمة اللغة العربية والعقائد والاخلاق الاجتماعية، وخلاف جبران والريحاني انما كان خلافاً بين ولاء جبران للفرنسيين وولاء الريحاني للانجليز بل ان عبارة الريحاني: «قل كلمه وامشي» لا تمثل المزاج العربي او الطابع الفكري للأمة الذي يؤمن بأن يقول الكلمة ويدخلها مرحلة التنفيذ.
واخطر ما دعت اليه النزعة المهجرية الوافدة على الأدب العربي هي محاولة تحويل الجنس الى نوع من القداسة وتحويل الشهوة الى صوفية فقد قام أدب جبران زعيم هذه المدرسة على ثلاثة دعائم هي لذة الجسد والحب الشهواني والمرأة المتجردة، وقد تأثر في ذلك على حد قول النقاد بما ينسب الى داوود من المزامير في التوراة وبالحياة في باريس ومن هنا اعلن عن سخريته لكل القيم والمثل ودعا الى الاستسلام لسلطان الغريزة والعاطفة الجنسية، وقد راجع كثير من الأدباء آثار جبران واجمعوا على انه يتميز بعدم الإكتراث للاخلاق في بحثه عن لذة الجسد والخروج عن قواعد الدين، قال عنه الاب الزرني انه يهدم صرح الديانة المسيحية وينبذ جميع الديان وانه كثير الآلة وليس الله بينها وانه يدين بمذهب عبودية العقل والآراء للشهوة‌ الحيوانية وانه هادم للسلطة المدنية والسلطة الدينية والأسرة وانه دعا في كل كتاباته الى الحب المحرم والعشق السري والفحش وهو يصرح بأن الجنة قائمة بهذا الحب الشهواني ويدعو الى احياء الغرائز وتغليب الحب الجنسي ويرى الباحثون ان الادب لا يستأهل الخلود بعدم ترفعه عن الاستسلام للشهوة المحرمة.
وعن اتضاع جبران واباحيته يقول الاب الزرني ايضاً ان جبران هو مصور الاجسام العارية وكاتب الشهوة المنفلتة من كل قيد، والعبرة عنده بالعقل ولا بالواجب حين يصطدم الهوى بذلك الواجب، وهو معجب بالزوجة التي تركت زوجها واتبعت من تحب شفيق بالمرأة المستسلمة الى خادمها المفتري، هذا هو جبران الذي يسكب السم الاخلاقي في كؤوس نظيفة شفافة على حد تعبيره، ان معظم كتاب الغرب في موضوع الميول القلبية والشهوة الحسية لم يبلغوا من الفساد الاخلاقي ما بلغه الادب الجبراني فهو قد حول مزامير التوراة من النداء الى الفضيلة الى الدعوة الى الرذيلة وقلب جبران لا يعتقد إلا بالانسان وجمال جسده العاري وشهواته واسراره، ولهذا كله اهتم الغرب بأدب جبران خليل جبران ونشره واحاط صاحبه بتقدير كبير وكان لأدب جبران أشد الاثر في جيله وبهذا خدم الغزو الثقافي خدمات لم يكن بأستطاعة التغريب تحقيقها لولا كتابات جبران، وقد حاول النفوذ الاستعماري المسيطر ان يحيي جبران بعد موته وان يبعث حوله هالة من القداسة لتواصل اثاره طريقها في نفوس الأجيال لكنه عجز عن تحقيق هذه النتيجة وسرعان ما مات أدب جبران وسقط.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة