ايها الاحبة للفن الاسلامي التراثي تجليات متنوعة منها فن الحفر على الخشب الذي بلغ غاية رفيعة فيما وصل الينا من آثار العصر الفاطمي واحتفظت صناعة الحفر على الخشب في العصر الايوبي بالاساليب الفنية التي شهدتها نهاية عصر الفاطميين بما عرفناه من نماذجها في بعض المحاريب والمنابر، لكن ما يلاحظ في التحف الايوبية ان خط النسخ قد حل محل الخط الكوفي في معظم الحالات وان الزخارف النباتية في الحشوات ازدادت في دقتها وفي درجة ابداعها، ومن اهم المنتجات الخشبية في عصر الايوبيين تابوت الامام الشافعي وهو على شكل منشور مستطيل يعلوه جزء هرمي وتتألف جوانب التابوت من حشوات ذوات زخارف نباتية دقيقة مجمعة في اطباق نجمية واشكال مسدسة، والتابوت غني بنقوش مكتوبة بخط النسخ الكوفي وعليه اسم صانعه عبيد النجار ابن معالي بتاريخ سنة ٥۷٤ للهجرة. وقد جاء اسم نجار آخر من اسرة ابن معالي على تحفة خشبية اخرى من العصر الايوبي هي منبر المسجد الاقصى الذي صنع في حلب بأمر نور الدين محمود ابن زانكي سنة ٥٦٤ للهجرة ونقل منها الى بيت المقدس وعلى هذا المنبر اسماء عدة صناع، ومن اعظم التحف الخشبية الايوبية التابوت الذي نقل من المشهد الحسيني الى متحف الفن الاسلامي المصنوع من خشب الساج الهندي ويتألف من ثلاثة جوانب وينقسم الى مناطق مستطيلة تحبسها اطارات وكتابات بخط النسخ والخط الكوفي وتضم هذه المناطق المستطيلة حشوات ذوات زخارف نباتية دقيقة مرتبة في اطباق نجمية او اشكال مسدسة اما الآيات المنقوشة عليه فكلها آيات من القرآن الكريم ونلاحظ في الزخارف المصنوعة على الخشب والمصنوعة في الشام في صدر الدولة الايوبية ان تتضمن بعض تأثيرات من الزخارف السلجوقية.
اما في عصر المماليك فقد استطاع الفنانون ان يبدعوا في زخرفة الحشوات بالرسوم الدقيقة واصبح العنصر الزخرفي السائر في ترتيب الحشوات تجميع هذه بحيث يؤلف اطباقاً نجمية واجزاءاً من اطباق، ورسوم الحشوات كانت تمتاز بالمراوح النخيلية والفروع النباتية والوريقات وما الى ذلك مما تبدو فيه الثروة الزخرفية جلية واضحة وطبيعي ان استعمال هذه الحشوات المتكررة جعل زخارف الخشب المملوكي خالية من اي موضوع زخرفي رئيسي يظهر ويبدو بوضوح بين تفاصيل زخرفية ثانوية تحف به، وهكذا اقبل الفانون المشتغلون بالحفر بالخشب على انتاج التحف الدقيقة ولا سيما المنابر والخزانات والابواب والكراسي والدكك، وازدهرت اساليب اخرى في زخرفة الخشب كتطعيم الحشوات بخيوط او اشرطة رفيعة من نوع آخر من الخشب اغلى ثمناً واندر وجوداً او بالعاج والعظم ومن امثلة ذلك مصراع باب في متحف الفن الاسلامي في القاهرة قوام زخرفته حشوات صغيرة كثيرة الاضلاع ومنقوش عليها رسوم جميلة مزينة بخيوط من العظم وقد جمعت الحشوات على هيئة اطباق نجمية بيد ان ابدع ما وصل الينا من الحفر على الخشب في عصر المماليك يتجلى في المنابر المصنوعة بأتقان ومن اقدمها منبران ينتميان الى القرن السابع الهجري.
واستعمل الخشب في انشاء السقوف في العصر الاسلامي وعرف النجارون اساليب مختلفة في هذا المضمار وقد وصلت الينا سقوف جميلة من بداية العصر المملوكي ومن ابدعها سقف مدرسة وخانقاه الظاهر برقوق سنة ۸۲۰ للهجرة، وسقف مدرسة الاشرف بارسباي سنة ۸۲۹ للهجرة.
وازدهرت في عصر المماليك صناعة الشبكيات من الخشب المخروط وهي التي تعرف بأسم المشربية ولعلها تحريف المشربة بمعنى غرفة عالية ولعلها تحريف مشربة بمعنى المكان الذي يشرب منه لان المشربيات التي كانت تتخذ في واجهات البيوت لتلطيف النور وادخال النسيم العليل وتمكين اهل الدار الى رؤية من بالخارج بدون ان يكون العكس ممكناً، هذه المشربيات كان يصنع فيها خارجات صغيرة مستديرة او مثمنة تركب خارج المشربية وتوضع عليها القلل لتبريد الماء وقد وصلت الينا نماذج من المشربيات ترجع الى العصر الايوبي فضلاً عما نعرفه من عصر المماليك حيث بلغ حد الاتقان الى جوار ما يمتاز به من تنوع ومن ثروة زخرفية عظيمة ومن ابدع ما وصل من العصر المملوكي ما نراه في السياج الذي يفصل الايوان الشرقي عن صحن الجامع في مسجد الطنبغة المارداني ويرجع الى سنة ۷٤۰ للهجرة.
فتحات العيون في المشربيات تتفاوت اتساعاً وهي تملأ احياناً بقطع اخرى من الخشب المخروط لتؤلف كتابات او رسوم وذلك بترك العيون الاخرى واسعة لتكون ارضية يظهر منها الرسم او الكتابة ومن امثلة ذلك قاطوع من خشب مخروط محفوظ في متحف الفن الاسلامي في القاهرة وقد ملئت بعض عيونه بقطع من الخشب المخروط لتكون رسم منبر ومشكاة من مشكابات المساجد وقد اقبل الفنانون في الحفر على الخشب وصناعة المشربيات على انتاج التحف الدقيقة في عصر المماليك فكثرت الخزانات والدكك والكراسي.
ومن آثار الدكك المزينة بالكتابات والرسوم وخشب الخرط لوح كبير كان جنباً من دكة نقل الى متحف القاهرة من وكالة قايباي في الجمالية وهو قسمان افقيان يتألف السفلي فيهما من تقاسيم تتوسطها حشوة من الخشب المخروط الواسع العيون ويحف بها من كل جانب تقسيمتان فيهما درابزين من الخشب المخروط ايضاً، اما القسم العلوي فقوامه اربع حشوات في كل منها منطقة دائرية يحيط بها اطار من الفروع النباتية وفي المناطق الاربعة كتابة بخط النسخ المملوكي نصها عز لمولانا السلطان الملك الاشرف ابو النصر قايباي خلد الله ملكه.
وفي متحف الفن الاسلامي في القاهرة هناك كراسي من الخشب منشورية الشكل ومسدسة الاضلاع او مثمنة وكانت من قطع الاثاث توضع عليها صوان الاكل كما استعملت في الجوامع لحمل الشمعدانات التي كانت توقد على جانبي المحراب عند الصلاة ليلاً وكانت بعض التحف الخشبية في عصر المماليك تزخرف بنقوش ملونة ومذهبة ومن ذلك ما هو موجود في صندوق لاجزاء المصحف الشريف محفوظ في متحف القاهرة وعلى سطحه الخارجي عصبتان من الخشب مكتوب فيهما بخط النسخ بعد الاستعانة والبسملة وآية الكرسي ما نصه «امر بعمل هذا الصندوق المترسم برسم المصحف الشريف المعظم لكل ضعيف مسكين من الله عليه بملكه وشرف وجاد بأيامه على عباده وتعطف السلطان المالك الملك اشرف ابو النصر قانصوه الغوري خلد الله ملكه».
اما الرسوم المذهبة المنقوشة على هذا الصندوق فزخارف نباتية وكان الفنانون في بعض الاحيان يكسون الخشب بطبقة دقيقة من الفسيفساء تتألف في الغالب من قطع صغيرة من الابنوس وهو ما يسمونه الترصيع والفرق بينه وبين التلبيس او التطعيم والتكفيت هو ان السطح المطعم تظهر فيه الرسوم ثم تملأ الشقوق التي تؤلف هذه الرسوم بقطع اخرى من مادة اغلى قيمة، اما في الترصيع فطبقة الزخرفة الجديدة تلصق على السلح كله ومن امثلة ذلك كرسي بديع في متحف الفن الاسلامي في القاهرة ينتمي الى القرن الثامن الهجري واصله من جامع السلطان شعبان.
*******