البث المباشر

الاستبداد المغطى في الحكم الأموي

الأحد 27 يناير 2019 - 08:56 بتوقيت طهران

الحلقة 93

شهد العالم الاسلامي خلال التاريخ صوراً من الحياة السياسية تبدى فيها الاستبداد بوجوه شتى كثيرة، ومنذ البداية‌ ونحو نتحدث عن حياة المسلمين السياسية‌ ان نفرق بين الدولة الاسلامية التي يقودها الاسلام الواقعي وتقود الناس الى عبادة الله وتحقيق العدالة والامن وبين الدول التي ظهرت في التاريخ وحكمت المسلمين بأسم الاسلام مرتدية عباءة الدين، والواقع عزيزي المستمع ان سمات الدولة الاسلامية الصالحة التي بشر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) واقامت تجربتها الاولى في ايام حياته الشريفة تختلف اختلافاً جذرياً في الدوافع والاهداف عن الحكومات التي ظهرت في القرون التالية‌ وفي اصقاع مختلفة من العالم الاسلامي رافعة شعار الاسلام، ان الممارسات الاستبدادية المتنوعة‌ التي صدرت من الحكام تفصلهم في الواقع عن قيم الدولة الاسلامية الالهية وتجعلهم في خانة طواغيت الازمنة الصغار او الكبار فقد تجد من هؤلاء المتسلطين على رقاب الامة من لا يعرف في سلوكه السياسي والاجتماعي شيئاً من العدل والانصاف كما كان يفعل السفاح العباسي وقد يأسر الحاكم عامة‌ ثم يقتله وقد يكون غادراً كالمنصور العباسي فأول ما فعل عندما تولى الحكم ان قتل ابا مسلم الخراساني صاحب دعوتهم وممهد مملكتهم وقد يكون متجرداً من كل القيم الانسانية سكيراً اهوج كما هو حال يزيد بن معاوية الذي سفك دماء سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) واهل بيته ولم يمض على وفاة جده النبي (صلى الله عليه وآله) اكثر من نصف قرن.
وقد يكون الحاكم قاسياً جباراً كالوليد بن يزيد الجبار العنيد فرعون ذلك العصر والدهر المملؤ بالمصائب الذي يأتي يوم القيامة يتقدم قومه فيوردهم النار كما يقول السيوطي، وقد يكون المتسلط على مقدرات المسلمين فاسقاً كما كان الوليد ايضاً الذي يصفه السيوطي بأنه كان فاسقاً شريباً للخمر منتهكاً حرمات الله اراد ان يحج ليشرب فوق ظهر الكعبة فمقته الناس بفسقه، وكالوليد من عقبة الذي كان والياً على الكوفة وكان يشرب الخمر مع ندماءه ومغنيه من اول الليل الى الصباح فلما اذن المؤذن تقدم الى المحراب في صلاة الصبح فصلى بالناس اربعاً ثم استدار لهم قائلاً اتريدون ان ازيدكم فقال له من كان خلفه في الصف الاول ما تزيد لازادك الله من الخير، والله لا اعجب الا ممن بعثك الينا والياً وعلينا اميراً، الى غير هذا من مفردات القائمة الطويلة التي تروى عن الحكام المتلبسين زوراً بالدين والمدنسين ظلماً طهارة الحياة السياسية في الاسلام.
والواقع ان الحقبة الامويه من تاريخ المسلمين قد شهدت مزيداً من المجاهرة بالظلم والطغيان والانحراف عن صراط الاسلام.
استولى الامويون على السلطة بالقوة مستخدمين السيف لابادة من يقف لهم معارضاً في الطريق وقد اعترف بهذا معاوية بن ابي سفيان دون مواربة، يروي مولف العقد الفريد ان معاوية لما قدم الى المدينة في عام الجماعة تلقاه رجال من قريش فقالوا الحمدلله الذي اعز نصرك واعلى كعبك بيد ان معاوية لم يرد عليهم حتى صعد المنبر فقال اما بعد فاني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم ولا مسرة بولايتي ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة فهو منذ البداية ينفي انه تولى الحكم برضى الناس وبيعتهم له بل انه ليستخف بهذا الرضى وقد اكثر معاوية من اتخاذ الرواة المأجورين الذين يفترون احاديث نبوية تدعم سلطته على نحو ما سيقوم الشعراء فيما بعد بتدعيم ملك خلفاءه واضفاء صفة القداسة عليهم، وقد وضع الامويون منذ البداية ثلاث نظريات تبرر استيلاءهم على السلطة الاولى ان الخلافة حق من حقوقهم وانهم ورثوها عن عثمان بن عفان الذي نالها بالشورى السداسية ثم قتل عثمان فخرجت الخلافة منهم وانتقلت الى غيرهم يقصدون الى الامام علي (عليه السلام) الذي بايعه المسلمون طائعين راغبين، ثم كان من الامويين ان قاتلوا الامام من اجل الاستحواذ على الملك الذي يرون انه ملك لهم موروث، الثانية ان الامويين اشاعوا في اهل الشام بصفة خاصة انهم استحقوا الحكم لقرابتهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول المسعودي كان الشيوخ من اهل الشام يقسمون لابي العباس السفاح انهم ما علموا لرسول الله قرابة ولا اهل بيت يرثونه الا بني امية، النظرية الثالثة التي افتراها بنو امية ‌لتبرير تسلطهم على مقدرات المسلمين هي ان الله هو الذي اختارهم للخلافة واتاهم الملك وانهم يحكمون بأرادته ويتصرفون بمشيئته حاشاه، واحاطوا حكمهم بهالة من القداسة واسبغوا على انفسهم كثيراً من الالفاظ الدينية فقد كان معاوية في نظر انصاره المنتفعين خليفه الله على الارض وكذلك هو الامين وكان ابنه يزيد المتجاهر بعداءه لقيم الاسلام امام المسلمين ولقب المتجبر عبد الملك بن مروان بلقب امين الله وامام الاسلام، ولكي يؤكد الاموييون هذه النظرية اشاعوا مذهب الجبر فالسلطة بهذا الفهم الشائع المتعمد يتم تحديدها من الله وليس للناس فيها رأي ولا مشورة والخليفة هو خليفة الله ابتداءاً من الطاغية عبد الملك وان على الناس الطاعة والاستسلام.
وكان زياد بن ابي سفيان او زياد بن ابيه الذي عينه معاوية والياً على البصرة اول من اشاع هذا المذهب الجبري لتبرير حكم الامويين، يقول في خطبته البتراء التي اعلن فيها ان الله اختارهم للخلافة وانهم يحكمون بقضاءه ويعملون بأذنه ايها الناس انا اصبحنا لكم ساسة وعندكم ذادة نسوسكم بسلطان الله الذي اعطانا ونذود عنكم بقيء الله الذي خول لنا فلنا عليكم السمع والطاعة فيما احببنا ولكم علينا العدل فيما ولينا.
وتبارى عزيزي المستمع شعراء السلاطين في دعم نظرية الامويين التي ادعوا فيها كذباً ان الله جل جلاله قد فوض اليهم الحكم ليرتكبوا المذابح والظلم والتعدي والاستعلاء، هذا الاخطل النصراني شاعر البلاط يقول للطاغية عبد الملك بن مروان:

وقد جعل الله الخلافة فيكم بابيض

لا عار الخوان والجب

ولكن رآه الله في موضع حقها

على رغم اعداء وصدادة كذب

والصدادة يريد بها المعارضين، ويقول هذا الشاعر النصراني السكير لبشر بن مروان:

اعطاكم الله ما انتم احق به

اذ الملوك على امثاله اقترعوا

ويواصل هذا المشبوه توزيع نظرية التفويض الالهي في الحكم على علوج بني امية في مناسبات عديدة وهنا نتذكر تلكم النظرية نفسها التي عرفتها الكنيسة منذ القدم. جرير الشاعر المتكسب شارك ايضاً في هذه اللعبة البغيضة وافترى على الله اذ جعل الارادة الالهية هي التي اختارت الطلقاء البغلاء الظلمة لحكم المسلمين ونلمح في شعره طمعه بالمال الذي يستجديه من هؤلاء الحكام يقول جرير مخاطباً عبد الملك بن مروان:

الله طوقك الخلافة والهدى

والله ليس لما قضى‌ تبديل

ولي الخلافة والكرامة اهلها

فالملك افيح والعطاء جزيل

ويقول الفرزدق جازماً بأن الله هو الذي جعل الخلافة للطاغية عبد الملك بن مروان والذي نصره على اعداءه نصراً عزيزاً:

فالارض لله ولاها خليفته

وصاحب الله فيها غير مغلوب

فاصبح الله وامر خيرهم

بعد اختلاف وصدع غير مشعوب

ولهذا الوليد الطاغي يقول جرير:

ذو العرش قدر ان تكون خليفة

ملكت فأعلو على المنابر واسلم

ويستمر المال الحرام الذي يتصدق به الوليد على شعراء السلطة يفعل فعله حتى يقول له الفرزدق:

حاباك بها الله الذي هو ساقها اليك

فقد ابلاك افضل ما يبلي

وهناك عشرات الشعراء الاخرين منهم الاحوص وعلي بن الرفاع وكثير عزة ممن ساندوا الظلم الاموي ونسبوا حكمهم الى الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة