معادلة "ما بعد بعد حيفا"، وبصورة أوسع، معادلات المقاومة في حرب تموز/يوليو، أسقطت مشروع الشرق الأوسط الجديد، بينما تتزامن المعادلة الجديدة اليوم مع ما يُطرَح من نسخٍ جديدة عن الشرق الأوسط الجديد.
"ما بعد بعد كاريش"، هي معادلة مرتبطة بسياق مفاوضات ترسيم الحدود، وتثبيت حقّ لبنان في استخراج نفطه وغازه، إلّا أنّه لا يمكن فصلها عن سياق المواجهة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، ومحور المقاومة من جهة ثانية.
وهذه المعادلة، أيضاً، هي رسالة مباشرة إلى "إسرائيل"، لكنّ الرسالة الرئيسة، في خطاب السيد نصر الله، كانت موجَّهة إلى الولايات المتحدة أيضاً.
وفي صُلب الرسالة، أنّ الولايات المتحدة، التي فشلت في بناء الشرق الأوسط الجديد، يوم كانت ربما في أوج نفوذها وهيمنتها، حين غزت العراق وأفغانستان عامي 2003 و2006، هي ليست الولايات المتحدة اليوم.
الولايات المتحدة اليوم شاخت وتعبت، ومشاريعها المتعدّدة والكثيرة تحطّمت على صخرة مقاومة الشعوب. فانسحب جيشها من أفغانستان والعراق، وفي سوريا فشل مشروعها، وكذلك في أميركا اللاتينية، بينما تمرّ داخلياً في واحدة من أكبر الأزمات في تاريخها، اقتصادياً واجتماعياً، وعلى المستوى العالمي.
بين معادلتين، تغيّر العالم، والاحتلال الإسرائيلي لا يعرف ما في جعبة المقاومة من مفاجآت. هكذا، تفرض المقاومة معادلاتها على العالم، وتكسر أوهام "إسرائيل" وحلفائها بشرق أوسط جديد، مرتكزةً على ثالوث ذهبي يضم إليها الجيش والشعب.
ماذا يوجد "ما بعد بعد كاريش"؟
بشأن خلفية المعادلة الجديدة، التي طرحها السيد نصر الله، وماذا يوجد "ما بعد بعد كاريش"، قال محلل الميادين للشؤون الفلسطينية والإقليمية، ناصر اللحام، إنّ "هناك فارقاً كبيراً جداً في نوعية الأسلحة والصواريخ الدقيقة والأدوات العسكرية، التي يملكها حزب الله حالياً، مقارنةً بما كان يمتلكه عام 2006، وأيضاً في إمكان تحدّي "إسرائيل"، في مستويات أكبر، في البحر وليس في الجو فقط".
وأضاف اللحام، أنّ "إسرائيل تخشى هذه الإمكانات التي يمتلكها حزب الله"، موضحاً أنّ "ما بعد بعد كاريش، توجد حقول الغاز والنفط. وما بعد بعد كاريش توجد مخازن السلاح النووي والذخر الاستراتيجي للعدو الإسرائيلي".
وأكّد أيضاً أنّ "الموضوع الآن نوعي، ويتركّز على جودة السلاح، وعلى إمكان إحداث شلل وتعطيل في المرافق الإسرائيلية، سواءٌ في الطاقة أو غير الطاقة".
الكرة الآن في الملعب الأميركي
وفي السياق ذاته، شدد محلل الميادين للشؤون الدولية والاستراتيجية، منذر سليمان، على أنّ خطاب السيد حسن نصر الله "هو خطاب استراتيجي، وهو بمثابة الإنذار الأخير لإسرائيل والولايات المتحدة، مُفاده أنّ الموت البطيء، عبر تجويع الشعب اللبناني وإذلاله، اللذين تمارسهما واشنطن، هو أمر لن يستمر".
وتابع سليمان أنّ السيد نصر الله أراد إيصال رسالة، مُفادها أنّ "حدود المفاوضات بشأن الحدود البحرية، هي حق لبنان في ثرواته، في مقابل عدم تمكّن الكيان الإسرائيلي من التنقيب عن النفط والغاز أيضاً".
ولفت سليمان إلى أنّ هذه المسألة "تنقل القضية إلى التلويح بالوصول إلى الفصل الأخير، وبأنّ القتال أصبح أشرف من الموت البطيء، بسبب عقوبات الولايات المتحدة".
ورداً على سؤال بشأن الآلية التي ستتعاطى بها "إسرائيل" وواشنطن مع المعادلة الجديدة، أوضح سليمان أنّ "الفرصة الذهبية، التي تحدّث عنها السيد نصر الله، هي فرصة الولايات المتحدة في أن تدرك أنّه يجب أن ترفع حصارها عن لبنان، والتوقف عن تعطيل استجرار الغاز والكهرباء إليه"، مشيراً إلى أنّ الكرة الآن في الملعب الأميركي".
كيف تعاطى الإعلام الغربي مع خطاب السيد نصر الله؟
أمّا بشأن كيفية تعاطي الإعلام الغربي مع خطاب السيد نصر الله، فقالت مديرة الميادين أونلاين، بهية حلاوي، إنّ الإعلام الغربي "ركّز حصراً على العناوين المباشرةـ، وعناوين الوكالات والمواقع الخبرية، وحدّ من التفاعل مع الرسائل الاستراتيجية في خطاب السيد نصر الله".
وأشارت حلاوي، في هذا الخصوص، إلى أنّ الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي يريدان، عبر القيام بذلك، "التخلصَ من حَرَج المعادلات والمعطيات الجديدة، والتي سطّرها السيد نصر الله، في خطابه"، وكذلك "التخلص من حرف الانتباه عن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة، وأهدافها".
وأفادت حلاوي بأنّ "جزءاً كبيراً من الإعلام ركّز على محاولة السيد نصر الله توريطَ لبنان، عبر هذا الخطاب، من دون الغوص في تفاصيل المواجهة، وفي خلفية هذا الخطاب، وذلك بغية التحريض على السيد حسن نصر الله، وتضليل الرأي العام العربي".
وعلى المستوى الشعبي، تَرَكَّزَ التفاعل مع كلام السيد نصر الله على أنّ "هذه هي الفرصة الذهبية فعلياً في تخفيف الانهيار الذي يعيشه لبنان"، بحسب حلاوي.
وأضافت حلاوي أنّ "الخطاب قُرِئ أيضاً على أنّه معادلة جديدة وورقة قوة للبنان، يمكن استثمارهما في مختلف الجبهات، في وقتٍ يُحاول الغرب، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، تجويع اللبنانيين وتركيعهم، بهدف الذهاب في اتجاه إنشاء ناتو شرق الأوسط الجديد".
ولفتت حلاوي إلى "التراجع الواضح للدور الأميركي في العالم، وارتفاع مستوى القلق الإسرائيلي في مقابل تصاعد قدرات المقاومة"، مشيرةً إلى أنّ "هذه هي التحولات الأساسية التي ترسم شكل المرحلة"، مشددةً على "تعاظم قدرة الردع لدى المقاومة، والقدرة على إرسال الرسائل، في التوقيت الذي تختاره المقاومة، ووفق المضامين التي تريدها".
إعلام إسرائيلي: من الممكن أن يصعّد حزب الله عملياته ضد "كاريش"
يُذكَر أنّ وسائل إعلام إسرائيلية تناولت خطاب السيد نصر الله الأربعاء، وذكرت أن الوسيط الأميركي، عاموس هوكشتاين، اجتمع بوزيرة الطاقة لدى حكومة الاحتلال، كارين الهرر، في محاولة للتقدم نحو اتفاق مع لبنان في موضوع الحدود البحرية، "الموضوع الأكثر تفجراً الآن بعد خطاب نصر الله".
وتحدث بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية عن "خيبة أمل شديدة مما سمعه الإسرائيليون من عاموس هوكشتاين، الذي لم ينقل أيّ مرونة من جانب لبنان".
هذا ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن المسؤول في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، قوله: "نحن نريد أن تستمر هذه المحادثات بين "إسرائيل" ولبنان بشأن الحدود البحرية وأن تتوقف التهديدات".
وتحدث الإعلام الإسرائيلي عن "خشية" أنه بعد خطاب السيد نصر الله فإنه "إذا لم يحصل أي تقدم في الفترة القريبة القادمة بالمفاوضات حول الحدود البحرية فإن حزب الله من الممكن أن يصعّد عملياته ضد منصة كاريش".
وكانت المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله)، أعلنت في 2 تموز/يوليو "إطلاق 3 مسيّرات غير مسلّحة في اتجاه المنطقة المتنازع عليها" عند حقل "كاريش"، وذلك في مهمّات استطلاعية، مؤكدةً أنّ "المسيّرات أنجزت المهمة المطلوبة، وأوصلت الرسالة".
السيد نصر الله: إذا وصلت الأمور إلى نقطة سلبية، فلن نقف فقط في وجه كاريش
وتحدّث الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في خطاب له يوم الأربعاء، بشأن آخر المستجدات في موضوع الحدود البحرية للبنان، واستخراج النفط والغاز، مؤكّداً أنّ "المقــاومة هي القوة الوحيدة التي يملكها لبنان للحصول على حقه في النفط والغاز، وأن الوسيط الأميركي طرف يعمل لمصلحة "إسرائيل"، ويضغط على الجانب اللبناني".
وأشار السيد نصر الله إلى "حق المقاومة في الإقدام على أيّ خطوة في الوقت الملائم، ووفق الحجم الملائم، من أجل الضغط على العدو الإسرائيلي".
وأضاف السيد نصر الله: "لنكن كلبنانيين على موقف واحد نُسمعه للإسرائيلي بعيداً عن الأزقة والخلافات"، مؤكداً أنّه "إذا كان الخيار عدم مساعدة لبنان، ودفعه في اتجاه الانهيار، ومنعه من استخراج الغاز، فإنّ التهديد بالحرب، والذهاب إليها، أشرف كثيراً".
وأعلن السيد نصر الله أنّه "إذا وصلت الأمور إلى نقطة سلبية، فلن نقف فقط في وجه كاريش. سجِّلوا هذه المعادلة، سنذهب إلى كاريش، وما بعد بعد كاريش"، كاشفاً أنّ حزب الله "يتابع كل ما هو موجود عند الشواطئ المقابلة، ويملك كل الإحداثيات".
وذكر السيد نصر الله أنّه "يوجد اليوم نُسخ جديدة عن مشروع الشرق الأوسط الجديد"، مشيراً إلى أنّ "زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للشرق الأوسط تأتي في هذا السياق".
المصدر / الميادين نت