وأنّ شهر المحرّم قد عاد إليها، هذه هي أيّامُ موسم الأحزان الفاطميّة التي أسدلتْ فصول روايتها الثالثة يوم أمس الجمعة، الثالث من شهر جمادى الآخرة.
إنّ تسمية (عاشوراء الصغير) التي يُطلقُها أبناءُ مدينة كربلاء على موسم الأحزان الفاطميّ لم تأتِ بشكلٍ عفويّ أو اعتباطيّ، بل هي نابعةٌ من فهمٍ عميقٍ لمصيبة السيّدة الزهراء(عليها السلام)، وإدراكٍ كامٍل لمدى الترابط الوثيق بين هذه المصيبة وفاجعة كربلاء.
وهذه العلاقة جاءت وفقاً للقواعد الشعائريّة التي رسّختها أحاديثُ ورواياتُ أهل البيت(عليهم السلام)، فنجد مواكب العزاء قد قرعتْ طبولَ الحزن والأسى وصدحت الحناجرُ بعبارات المواساة، ولُطِمت الصدورُ وأُسبِلت الدموع وهي تحيي ذكرى الزهراء بجوار مرقد ولدها (عليه السلام).
هذا وقد شهدت الأيّامُ الماضيةُ موسمَ الأحزان الفاطميّة الثالثة، على وفق رواية بقائها (عليها السلام) 95 يوماً بعد رحيل والدها (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إذ توافدت أعدادٌ غفيرة من الزائرين وانتشرت مواكبُ الخدمة الحسينيّة على جميع الطرقات للتشرّف بتقديم مختلف خدماتها، كذلك فإنّ العتبتَيْن المقدّستَيْن قد سخّرتا جميع إمكانيّاتهما لخدمة كلّ من وفد إليهما، إضافةً إلى إقامتهما العديد من الأنشطة والفعّاليات العزائيّة التي ليس لها مثيل سوى في أيّام عزاء عاشوراء وصفر.
فتعظيم هذه الشعائر الفاطميّة يهدف إلى بيان مدى الخسران الذي لحق بالإنسانيّة جرّاء ظلم الزهراء(عليها السلام)، وهذا ما أشار إليه ولدُها الإمامُ الحسن الزكيّ (عليه السلام)، في إحدى خطبه قائلاً: (فاللّه بيننا وبين مَنْ ظلمنا حقّنا، ونزل على رقابنا، وحمل الناس على أكتافنا، ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفيء والغنائم، ومنع أمَّنا فاطمة إرثَها من أبيها. إنّا لا نسمّي أحداً، ولكن أقسم باللّه قسماً تالياً، لو أنّ الناس سمعوا قول الله (عزّ وجلّ) ورسوله، لأعطتهم السماءُ قطرها، والأرضُ بركتَها، ولما اختلف في هذه الأمّة سيفان، ولأكلوها خضراء خضرةً إلى يوم القيامة).