ونقلت وكالة "فرانس برس" عن دبلوماسي غربي في الرياض، قوله إن "الترتيبات مع الديوان الملكي باتت تتم من خلال مكتب الأمير محمد".
وتابع أن "الملك لا يظهر في الصورة منذ فترة طويلة قاربت على السنتين".
وتابع الدبلوماسي الذي فضّل عدم ذكر اسمه أنّ ولي العهد "تجاوز فكرة أنّه ملك قيد الإعداد إلى فكرة أنه ملك (غير متوّج بعد) في القصر".
وذكرت الوكالة أن ابن سلمان هو القائد الفعلي في السعودية و"الملك غير المتوج"، فهو من يستقبل الضيوف الأجانب ويترأّس قمما إقليمية تستضيفها بلاده، مع تقدم والده في السن.
وأتاحت جائحة كورونا والمخاوف على صحة الملك السعودي (85 عاما) لنجله الشاب (36 عاما) أن يتولّى زمام الأمور في اللقاءات العلنية والاستقبالات، فيما قلّل الملك من مشاركته في التجمعات.
ولطالما اعتبر محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للسعودية منذ تعيينه وليا للعهد في حزيران/يونيو 2017، لكنّه بات ينفرد مؤخرا بالمشهد مع استقباله وحده الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون مطلع الشهر الجاري وترؤسه قمة قادة الخليج(الفارسي) الثلاثاء في الرياض.
ونادرا ما تخلف الملك سلمان عن حضور قمة الدول الخليجية السنوية وإلقاء كلمة فيها، ومعروف عنه حرصه على مصافحة أكبر عدد من الحاضرين.
فكرة مكررة
قالت الباحثة في مركز "كارنيغي" للأبحاث ياسمين فاروق لوكالة فرانس برس إنّ "فكرة أن يكون ولي العهد الحاكم الفعلي للبلاد، وأن يقابل الرؤساء الأجانب ويترأس القمم، حصلت قبل ذلك عندما حكم السعودية ملوك لم يكونوا في الحالة الصحية المناسبة".
وهي تشير بذلك إلى الملك السابق عبد الله عندما كان وليا للعهد خلال فترة حكم الملك فهد الذي تعرّض لعدّة جلطات جعلته غير قادر على تولي الحكم قبل 10 سنوات من وفاته.
وأضافت فاروق أنّ "الجديد هو وجود قبول شعبي وإعلامي بدور مواز بل أكثر أهمية لولي العهد، حتى عندما يقوم الملك سلمان بكل مهامه".
منذ تفشي كوفيد-19، استقر الملك في منطقة مدينة نيوم المستقبلية التي يجري بناؤها بمبادرة من نجله على البحر الأحمر في شمال غرب المملكة.
وكان آخر مسؤول أجنبي التقاه في العاصمة وزير الخارجية البريطاني السابق دومينيك راب في آذار/مارس 2020، قبل أن يجتمع بالسلطان العُماني هيثم بن طارق في نيوم نفسها في تموز/يوليو الفائت. وآخر زياراته الخارجية هي التي كانت إلى سلطنة عُمان لتقديم العزاء في وفاة سلطانها الراحل قابوس بن سعيد في كانون الثاني/يناير 2020.
غطاء ملكي
منذ توليه ولاية العهد، نجح الأمير محمد في إدخال إصلاحات اجتماعية كبرى في المملكة المحافظة، متعهدا بنقلها إلى كنف ما يسمى "الإسلام المعتدل"، ففتح أبواب الترفيه والسياحة وسعى لجذب المستثمرين الأجانب لتنويع مصادر اقتصاد بلاده المرتهن للنفط.
وهذا أكسبه شعبية كبيرة في الشارع السعودي إذ سمحت الإصلاحات لآلاف النساء بالقيادة والعمل في القطاع العام ووفرت دخلا إضافيا ومتنفسا ترفيهيا أمام الأسر السعودية.
لكن الأمير الذي يتولّى عدّة مناصب بينها نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس صندوق الاستثمارات العامة، واجه عدّة تحديات أبرزها جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول على أيدي عناصر سعوديين عام 2018.
كما أنّه بدا أكثر انفتاحا على تقارب محتمل مع إسرائيل مقارنة بوالده، بحسب "فرانس برس".
وترى الباحثة في معهد دول الخليج(الفارسي) في واشنطن كريستين ديوان أنّ ولي العهد "استفاد من طول عمر الملك"، موضحة: "يوفّر وجوده المستمر السلطة التقليدية التي توفر غطاء لأفعال محمد بن سلمان ذات الطابع الشبابي وغير التقليدية، ونادرا ما تعيقها".
لم توضح السلطات السعودية سبب غياب العاهل السعودي عن حضور القمة الخليجية التي أقيمت في الرياض الثلاثاء، خصوصا وأنّه ألقى كلمة متلفزة لمناسبة إقرار الموازنة قبلها بيومين.
وفي هذا السياق، كتب علي الشهابي وهو عضو في مجلس استشاري لإحدى الشركات الحكومية على تويتر نقلا عن "مصادر موثوقة" أنّ "الملك يتمتع بصحة ممتازة لكنه... لا يشعر بالراحة عند ارتداء كمامة ويميل إلى الرغبة في مصافحة الناس وتحيتهم بحرارة لذلك يتم اتخاذ مزيد من الحذر للحفاظ على سلامته بعيدًا عن الجمهور".
ملك غير متوّج
قبل القمة الأخيرة، قام ولي العهد بجولة في كافة دول الخليج(الفارسي) استمرّت 5 أيام حصل خلالها على استقبال شبه ملكي وحظيت بتغطية إعلامية واسعة.
ويبدو الطريق ممهّدا أمام ولي العهد للحكم لوقت طويل. ولا توجد عقبات متوقعة لصعوده إلى العرش، إذ أنّه أزاح منافسيه الواحد تلو الآخر من طريقه، في حين أنّ معارضيه مشتتون خارج البلاد.
وقال كبير الباحثين في معهد الدول العربية في الخليج (الفارسي) حسين إبيش: "لا يوجد مصدر محدد لمعارضة فعّالة داخل العائلة المالكة أو خارجها".
وتابع أنّ "محمد بن سلمان أصبح بالفعل أكثر بروزًا وقوة وعملية الخلافة الطويلة مستمرة بخطوات حثيثة".
لشهور انتاب السعودية قلق بخصوص التعامل الغربي المباشر مع الأمير محمد على خلفية مقتل خاشقجي، لكنّ دبلوماسيا آخر في الرياض قال إنّ "الكثير من هذه المخاوف تبدّدت بعد زيارة ماكرون للسعودية وبات الأهم الآن موقف الإدارة الأمريكية".
تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بإنهاء التفويض المطلق الذي منحه سلفه دونالد ترامب للسعودية، ولم يتواصل مباشرة بعد مع ولي العهد لكنه أكّد أنه لا مفر من التعامل معه.