البث المباشر

مناقب الإمام الحسن العسكري عليه السَّلام

الثلاثاء 20 نوفمبر 2018 - 13:26 بتوقيت طهران
مناقب الإمام الحسن العسكري عليه السَّلام

شدة خوف الامام الحسن العسكري عليه السلام من الله عزوجل

أ-شدة خوفه من الله عزوجل:‏

ومن جملة معالي اموره والصفات البارزة فيه عليه السلام شدة خوفه من الله عز وجل في ‏صباه، فانه وان كان القاريء قد يستغرب مما يقرأ: بأن الامام لما ينظر الى الحطب والنار يبكي ‏خوفاً من الله ثم يغشي عليه وهو صبي،‌ ولكن ليس بغريب ولا بعجيب من أهل العصمة‌ ‏والطهارة عليهم السلام.‏
روى الشبلنجي عن درة الاصداف قال: وقع للبهلول معه انه رآه وهو صبي يبكي والصبيان ‏يلعبون فظن انه يتحسر على ما بايديهم فقال له: اشتري لك ما تلعب به؟ ‏
فقال: يا قليل العقل ما للعب خلقنا، فقال له: فلماذا خلقنا؟
قال: للعلم والعبادة. فقال: من أين لك ذلك؟ فقال من قوله تعالى «افحسبتم انما خلقناكم عبثاً وانكم ‏الينا لا ترجعون» (1)‏ ثم سأله ان يعظه موعظة فوعظه بابيات ثم خر الحسن رضي الله عليه ‏مغشياً عليه، فلما افاق قال له: ما نزل بك وانت صغير ولاذنب لك؟
فقال: اليك عني يا بهلول اني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تتقد الا بالصغار، واني ‏اخشى ان اكون من صغار حطب جهنم. (2)‏‏
وأضاف في احقاق الحق عن كتاب وسيلة المآل الأبيات الذي لم يذكرها الشبلنجي وقال:‏
ثم قال: فقلت: يا بني أراك حكيماً فعظني وأوجز فأنشأ يقول:‏
أرى الدنيا تجهز بانطلاق
مشمرة على قدم وساق
فلا الدنيا بباقية لحي
ولا حي على الدنيا بباق
كان الموت والحدثان فيها ‏
الى نفس الفتى فرسا سباق
فيا مغرور بالدنيا رويداً
ومنها خذ لنفسك بالوثاق (3)‏‏
 

ب-زهده عليه السلام:‏

روى‌ الطبري بسنده عن أبي نعيم، قال: وجهت المفوضة كامل بن ابراهيم المزني الى أبي ‏محمد الحسن بن علي عليه السلام يباحثون امره.‏
قال كامل بن ابراهيم: قلت في نفسي أسأله لايدخل الجنة الا من عرف معرفتي وقال بمقالتي. ‏فلما دخلت على سيدي أبي محمد عليه السلام نظرت الى ثياب بياض ناعمة عليه.‏
فقلت في نفسي: ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا نحن بمواساة الاخوان وينهانا ‏عن لبس مثله؟!‏
فقال مبتسماً: يا كامل بن ابراهيم! وحسر عن ذراعيه، فاذا مسح أسود خشن، فقال: يا كامل!‌هذا ‏لله عزوجل وهذا لكم فخجلت... (4)‏‏
 

وقفة للتأمل:‏

ان من أخلاق الامام وشؤونه الخاصة به أن يكون وضعه المادي والظاهري، وخصوصاً في ‏المأكل والملبس، مساوياً مع اضعف الامة لكيلا يوثر الفقر في وجوه بعض المسلمين، الذين ‏كانوا يعانون الفقر المادي، ولما كان غالب المسلمين في بداية الاسلام حالتهم ضعيفة جداً، كان ‏اللازم على أئمة العدل وأهل بيت العصمة ان يلبسوا من الثياب اخشنها ويأكلوا من الطعام ‏اجشبها، كما فعله النبي الكريم صلى الله عليه وآله والامام امير المومنين علي عليه السلام ولكن ‏بمرور خمسين عاماً على ظهور الاسلام، تغيرت الشرايط وتحسن اوضاع المسلمين، ولذلك ‏نرى أن الائمة الذين عاشوا في ذلك الزمان، كالباقر والصادق عليهما السلام مثلاً، تغيرت ‏اوضاعهم من حيث الظاهر، وصاروا كاوساط المسلمين فاننا نرى انهم لم يغيروا ظاهرهم الا ‏بعد التغيير الذي حصل في عامة‌ المسلمين، ولو أنهم لم يفعلوا ذلك وبقوا على لبس تلك الالبسة ‏التي كان يلبسها جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وامير المومنين علي بن ابي طالب عليه ‏السلام لاعرض عامة الناس عنهم، ولاتهموهم بالرهبانية التي أبطلها الاسلام ولكن رغم هذا ‏التغيير في الظاهر لم يتركوا سنة‌ الانبياء‌ والاولياء المقربين، وكانوا يلبسون الثياب الخشنة ‏ملاصقة للبدن تحت الثياب الناعمة‌ ولم يشعر بذلك احد.‏
وكان هذا العمل منهم تماماً في مقابل المرائين، كالثوري وعباد البصري (5)‏ وغيرهما من ‏المتزهدين المتصنعين الذين كانوا يلبسون الثياب الخشنة في الظاهر والثياب الناعمة‌ تحتها ‏لخداع العامة ونتيجة خداع هولاء المرائين تخيل بعض الغفلة والجهلة بان الاسلام الصحيح هو ‏ما يعرضه الثوري وامثاله ولذلك اخذ ينتقد الائمة، وخصوصاً الامام العسكري وان لم يظهره ‏وكان يخفيه في النفس فقط ويقول: كيف يجوز للامام ان يلبس الثياب الناعمة،‌ويترك طريقة ‏هؤلاء ‌المتزهدين؟
تخيل هذا المعنى،كامل بن ابراهيم حنيما دخل على الامام العسكري، فاضطر الامام عليه السلام ‏ان يدفع الشبهة التي حصلت في ذهن كامل وامثاله، مما رآه من هؤلاء المتزهدين، وما رآه من ‏الامام عليه السلام، ولذلك نرى الامام عليه السلام يكشف عما كان مستوراً من كل أحد، ويرى ‏كامل ذلك الثوب الخشن الذي كان قد لبسه تحت ثيابه، كي ينتبه بأن امثال الثوري ليسوا على ‏الطريقة المستقيمة بل هدفهم اغواء‌ الناس فقط.‏
 

ج-عباداته عليه السلام:‏

واما عباداته عليه السلام، فهو أظهر من الشمس واشهر من ان يذكر، وقد عرفه الخاصة‌ ‏والعامة بكثرة العبادة والمناجات والابتهال الى الله عزوجل، ليلاً ونهاراً، ويشهد بذلك من حبس ‏معه، بل من تأثر بعبادته ومناجاته من الاعداء والموكلين به.‏
واليك نماذج منها:‏

1-عبادته عليه السلام في حبس صالح بن وصيف:‏

روى المفيد بسنده عن محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن موسى بن جعفر قال: دخل العباسيون ‏على صالح بن وصيف عندما حبس ابو محمد عليه السلام فقالوا له: ضيق عليه ولا توسع. فقال ‏لهم صالح: ما أصنع به وقد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة ‏والصيام الى أمر عظيم ثم امر باحضار الموكلين فقال لهما: ويحكما ماشأنكما في امر هذا ‏الرجل؟
فقالا: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله، لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة، فاذا ‏نظرنا اليه ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لانملكه من انفسنا،‌فلما سمعوا ذلك- العباسيون- انصرفوا ‏خائبين. (6)‏‏
 

2-عبادته عليه السلام في حبس النحرير:‏

وعنه عن الكليني عن علي بن محمد عن جماعة ‌من اصحابنا قالوا: سلم ابو محمد عليه السلام ‏الى نحرير، وكان يضيق عليه ويؤذيه، فقالت له امرأته اتق الله فانك لا تدري من في منزلك، ‏وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت: اني أخاف عليك منه، فقال والله لأرمينه بين السباع، ثم ‏استأذن في ذلك، فاذن له. فرمى به اليها فلم يشكوا من اكلها، فنظروا الى الموضع ليعرفوا ‏الحال فوجدوه عليه السلام قائماً يصلي وهي حوله، فامر باخراجه الى داره.(7)‏‏
 

3-الشاكري يصف عبادته عليه السلام:‏

وقال محمد الشاكري: كان استاذي اصلح من رأيت من العلويين والهاشميين، ما كان يشرب ‏النبيذ، وكان يجلس في المحراب ويسجد، فانام وانتبه وانام وانتبه، وهو ساجد. (8)‏‏
 

4-تأثير الامام على علي بن نارمش:‏

وروى الكليني بسنده عن محمد بن اسماعيل قال: حبس ابو محمد عند علي بن نارمش وهو ‏انصب الناس واشدهم على آل أبي طالب وقيل له: افعل به وافعل، فما اقام عنده الا يوماً حتى ‏وضع خديه له، وكان لا يرفع بصره اليه اجلالاً واعظاماً فخرج من عنده وهو احسن الناس ‏بصيرة، واحسن الناس فيه قولاً. (9)‏‏
 

5-عباداته عليه السلام في حبس علي بن جرين:‏

لما حبس المعتمد الامام عند علي بن جرين في سنة ستين ومأتين، كان يسأل علياً عن اخباره ‏في كل وقت، فيخبره انه يصوم النهار ويصلي الليل. (10)‏‏
 

6-صومه عليه السلام في السجن:‏

وعن أبي هاشم الجعفري قال: كنت في الحبس المعروف بحبس صالح بن وصيف الاحمر، انا ‏والحسن بن محمد العقيقي ومحمد بن ابراهيم العمري وفلان وفلان اذ دخل علينا ابو محمد ‏الحسن واخوه جعفر... وكان الحسن عليه السلام يصوم النهار، فاذا افطر اكلنا معه من طعام ‏كان يحمله مولاه اليه في جؤنة‌ مختومة، وكنت اصوم معه. (11)‏‏

المصدر:

- حياة الامام العسكري، المؤلف: الشيخ محمد جواد الطبسي، تاريخ الطبع: 1413 هـ.1371 هـ ش، الناشر: مركز النشر - مكتب الاعلام الاسلامي

‏‏1- المؤمنون الآية : 115.‏ 
‏2- نور الأبصار ص 183، الصواعق المحرقة ص207.‏ 
‏3- احقاق الحق ج12، ص473.‏
‏4-دلائل الامامة ص273، اثبات الهداة ج3، ص415، غيبة الطوسي ص148.‏
‏5- وسائل الشيعة ج3، ص347، وص350.‏
‏6- الارشاد ص344، اثبات الهداة ج3، ص406، البحار ج50، ص308.‏
‏7- الارشاد ص344، اعلام الورى ص360، البحار ج50، ص309.‏
‏8- دلائل الامامة ص227.‏
‏9- الكافي ج1 ص508، اثبات الهداة ج3، ص402.‏
‏10- مهج الدعوات ص275، وعنه البحار ج50، ص313.‏
‏11- اثبات الهداة ج3، ص416.‏






















 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة